بعد أكثر من عامين على وفاة يفغيني بريغوزين، زعيم مجموعة فاغنر، يبدو أن تجربة روسيا في مالي وصلت إلى طريق مسدود.
وفي أوائل أغسطس 2025، وصل أكثر من 200 صندوق من المخطوطات إلى مدينة تمبكتو، بعد أن خُبئت منذ 2012 لحمايتها من الجهاديين.
وبالنسبة للمجلس العسكري الحاكم ومجموعة فاغنر، كان هذا يُعد نجاحًا رمزيًا. لكن الواقع على الأرض مختلف تمامًا: الوضع الأمني يزداد سوءًا، والعنف يتصاعد في جميع أنحاء منطقة الساحل.
عند وصول فاغنر إلى مالي بعد الانقلاب العسكري في مايو 2021، بدا أن روسيا قد تساعد على تثبيت الأمن وتعزيز سيادة الدولة.
كما حقق المرتزقة الروس بعض المكاسب المبكرة، مثل استعادة السيطرة على مدينة كيدال عام 2023، لكن متوسط الوفيات المرتبطة بالصراع ازداد بشكل كبير، إذ بلغ نحو 3135 حالة وفاة سنويًا بين 2022 و2024، مقارنة بـ 736 وفاة خلال العقد السابق، وفق بيانات ACLED.
ورغم وجود نحو 2000 مقاتل روسي في مالي، مقارنة بـ 5000 جندي فرنسي سابقًا و12 ألف جندي تابع للأمم المتحدة، فإن نهج فاغنر أثبت محدوديته.
كما تسببت أساليبهم الوحشية في مكافحة الإرهاب، بما في ذلك قتل المدنيين وإدارة سجون "في الهواء الطلق"، بتوترات داخل الجيش المالي، ودفعت الجنود المحليين إلى انتقاد الروس ورفض التعاون معهم.
لم تنجح فاغنر في استغلال قطاع التعدين في ثاني أكبر منتج للذهب في إفريقيا، فقد قاوم المجلس العسكري المالي نقل ملكية المناجم الكبرى.
وحتى في المشاريع الصغيرة، لم تتمكن روسيا من تحقيق أرباح حقيقية، في حين استفاد النظام المالي المحلي من الوجود الروسي كوسيلة للضغط لا للتنمية.
وفقد الروس شعبيتهم بين الجيش والماليّين العاديين؛ إذ يقول أحد الأكاديميين: "كنت أومن أن الوجود الروسي سيُحدث فرقًا، لكن اليوم أشعر بخيبة أمل شديدة".
ويؤكد السكان أن النسيج الاجتماعي في مالي ينهار، وأن فاغنر فقدت 80٪ من شعبيتها بسبب سوء إدارتها وفشلها في قيادة الدولة.
بعد وفاة بريغوزين، حاول الكرملين ضبط نشاط فاغنر. في يونيو 2025، أعيدت تسمية وجودهم في مالي باسم "فيلق أفريقيا"، مع وضع خط مسؤولية أوضح لموسكو.
ومع ذلك، يبقى الاعتماد على روسيا محفوفًا بالمخاطر، بينما بدأت الحكومة المالية البحث عن شراكات بديلة، بما في ذلك الولايات المتحدة وتركيا ودول الخليج.
تجربة روسيا في مالي، عبر مجموعة فاغنر، تُظهر محدودية نفوذها في إفريقيا، ورغم الادعاءات بنجاحها في مواجهة الإرهاب وتأمين الموارد، فإن الواقع على الأرض يشير إلى انهيار جزئي للمرتزقة الروس، وتزايد التوترات مع الجيش المالي، وفشلهم في تحقيق أي مكاسب اقتصادية حقيقية، مما يضع مغامرة بوتين الإفريقية على مفترق طرق خطير.