قدمت باكستان بقيادة المشير عاصم منير، رئيس الأركان العامة للجيش، خطةً طموحة لتعزيز علاقاتها مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من خلال مشروع لبناء ميناء بحري عميق في مدينة "باسني"، على ساحل مكران الباكستاني، بتكلفة تقديرية تبلغ 1.2 مليار دولار.
وبحسب صحيفة "فاينانشال تايمز"، فإن المشروع يهدف إلى تأمين سلسلة توريد للمعادن الأرضية النادرة، بما يدعم الصناعات الأمريكية في مجالات الطاقة والأمن، كما يمنح واشنطن موطئ قدم استراتيجيا في بحر العرب.
ويستند هذا العرض إلى التحسن الأخير في العلاقات بين واشنطن وإسلام آباد، ويسعى للاستفادة من الطلب الأمريكي على المعادن النادرة، بما في ذلك النحاس والأنتيمون، والتي تُستخدم في صناعة البطاريات والمواد المثبطة للحريق والصواريخ.
وشهدت الفترة الأخيرة توقيع مذكرة تفاهم بين شركة USSM الأمريكية والذراع الهندسية العسكرية الباكستانية، بالإضافة إلى شحن أول دفعة من العناصر الأرضية النادرة إلى الولايات المتحدة، إيذانًا بانطلاق شراكة بقيمة 500 مليون دولار.
وتُظهر هذه الخطوة الطموح الباكستاني لاستغلال موقعها الجغرافي؛ إذ يمكن لباسني، بعد إنشاء خط سكة حديد جديد، أن تصبح مركزا لنقل المعادن من المناطق الداخلية إلى الأسواق الدولية، وتتيح للولايات المتحدة الوصول إلى آسيا الوسطى.
كما تقترح الخطة تطوير الميناء بنموذج تمويل يجمع بين التمويل الفيدرالي الباكستاني وتمويل التنمية المدعوم أمريكيًا.
على الرغم من الطموح الباكستاني، يعتقد خبراء بحريون هنود متقاعدون أن الولايات المتحدة لا تحتاج فعليًا إلى ميناء باسني، كونها تتمتع بالفعل بنفوذ كبير في بحر العرب عبر أسطولها الخامس في البحرين.
وأشار نائب الأدميرال المتقاعد شيخار سينها لصحيفة "يوراسيان تايمز" إلى أن الاقتراح قد يؤدي إلى مواجهة مباشرة مع الصين، خصوصا مع قرب باسني من ميناء جوادر الصيني؛ ما يضع الولايات المتحدة في موقف حساس على الصعيد التكتيكي.
وتشارك الصين باكستان بشكل كبير في مشاريع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، حيث استثمرت نحو 62 مليار دولار، منها 30 مليارا حتى الآن، وتمتلك السيطرة على ميناء جوادر منذ عام 2013.
ويثير الاقتراب الأمريكي من باسني تساؤلات حول قدرة باكستان على موازنة علاقتها بين قوتين عظميين دون أن تُضعف مصالحها الاستراتيجية.
ويُشير العميد البحري المتقاعد أنيل جاي سينغ إلى أن المشروع محفوف بالمخاطر في ظل التنافس المحتمل بين الولايات المتحدة والصين والهند وباكستان على النفوذ في بحر العرب.
على المستوى المحلي، يواجه ميناء باسني تحديات عملية كبيرة، فهو ميناء أسماك حديث يضم أربعة أرصفة ورصيف شحن، لكنه يعاني من تراكم الطمي منذ عام 2003؛ ما أدى إلى تعطّل الرصيف.
ورغم وجود خطط سابقة لإعادة تأهيل الميناء، لم تُحرز أي تقدم ملموس حتى الآن؛ ما يطرح تساؤلات حول قدرة باكستان على تنفيذ مشروع ضخم بهذا الحجم.
وفي سياق آخر، يمتلك إقليم بلوشستان ثروات معدنية هائلة، ويدعم المشروع الأمريكي طموحات باكستان الاقتصادية من خلال تأمين استثمارات أجنبية في قطاع المعادن، في وقت تسعى فيه البلاد للتغلب على أعباء القروض الأجنبية الضخمة وتحقيق تنمية محلية.
لكن المنطقة تشهد أيضا توترات أمنية بسبب نشاط جماعات انفصالية؛ وهو ما دفع وزارة الخارجية الأمريكية لتصنيف بعضها كمنظمات إرهابية؛ ما يعكس أهمية الاستقرار لتحقيق أهداف التنمية والاستثمار.
وتتجلى المعضلة الكبرى في محاولة باكستان تحقيق مكاسب من علاقاتها المتجددة مع الولايات المتحدة دون إغضاب الصين، شريكها التقليدي والممول الأكبر لميناء جوادر.
وقد برزت هذه الديناميكية خلال زيارة المشير منير للولايات المتحدة، والتي شهدت تأكيد واشنطن على دور باكستان في تجنب أي تصعيد نووي مع الهند، ما يعكس حساسية الموقع الاستراتيجي للباسني في حسابات القوى العظمى.
وبناءً على هذه المعطيات، يظل السؤال المركزي: هل يمكن لباكستان أن تحقق طموحاتها الاقتصادية عبر التعاون مع الولايات المتحدة دون أن تفقد توازنها مع الصين، أم أن المشروع سيظل محفوفًا بالمخاطر الجيوسياسية والاستراتيجية في بحر العرب؟