قالت صحيفة "واشنطن بوست"، إنه في غياب الحل الدبلوماسي مع إيران بشأن الملف النووي، فإن السيناريو الأمثل، سيتطلب ممارسة لعبة "ضرب الخلد" طويلة الأمد، في محاولة للعثور على المواقع النووية المشتبه بها وتدميرها.
و"ضرب الخلد" هي لعبة ترفيهية تعرف أيضا باسم "Whac-A-Mole. تتضمن اللعبة عادة ظهور مجسمات صغيرة تشبه الخلد من فتحات مختلفة، ويهدف اللاعب إلى ضرب هذه المجسمات باستخدام مطرقة قبل أن تختفي.
ورأت الصحيفة أن طهران، بعد أن تعرضت لـ"الإهانة"، قد تبتكر أساليب أكثر إبداعًا لإخفاء وحماية برنامجها النووي، على حد تعبيرها.
وأشارت في تقريرها إلى أن مسار وشكل المفاوضات النووية الأمريكية الإيرانية سيعتمد بشكل أساسي على ما حققه الهجوم الأمريكي على المنشآت النووية الثلاث.
وذكرت أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يحتاج، للسير في المفاوضات مع إيران، لمعرفة ما إذا كان البرنامج النووي الإيراني قد دُمّرَ فعلاً.
وبيّنت الصحيفة أنه إذا أدت الضربة الأمريكية إلى "محو" البرنامج النووي الإيراني تمامًا، كما يُصرّ الرئيس ترامب، فستكون الولايات المتحدة قد أثبتت قدرتها على تدمير قدرة النظام على إنتاج الأسلحة النووية متى شاءت.
وبينما ستظل الدبلوماسية ضرورية حتى تتمكن الولايات المتحدة من تجنب الاضطرار إلى قصف إيران بانتظام لمنعها من إعادة بناء برنامجها النووي، لكن سيتعين على إيران الجلوس إلى طاولة المفاوضات وتقديم تنازلات، بما في ذلك التخلي عن طموحاتها النووية.
وأوضحت أنه إذا لم تُسفر الضربة الأمريكية عن تدمير كامل، فقد تشعر إيران بقدرتها على الدفاع عن برنامجها النووي في وجه القوة النارية الأمريكية الساحقة.
وفي حين سيحدد حجم الضرر الذي ألحقته الولايات المتحدة مدى قدرة النظام على مقاومة المحاولات الأمريكية لترويضه، قد تكون الدبلوماسية ضرورة، وليست مجرد الخيار الأمثل، وقد تكون المفاوضات أكثر صعوبة بالنسبة لترامب.
وأضافت الصحيفة أن الحقائق، في الوقت الحالي، غير واضحة؛ حيث يشير تقييم مُسرّب من وكالة استخبارات الدفاع إلى أن الضربة الأمريكية أعاقت البرنامج النووي الإيراني لبضعة أشهر فقط.
وعلى الرغم من أن بعض أعضاء مجلس الشيوخ الذين حضروا إحاطة سرية حول الضربة غادروا معتقدين أن هذا هو الحال، لكن آخرين ممن حضروا الإحاطة نفسها قالوا إنهم يعتقدون أن الضربة قد ألحقت أضرارًا كارثية.
وتساءلت الصحيفة: هل نجح الإيرانيون في نقل بعض، أو حتى معظم، اليورانيوم عالي التخصيب إلى مواقع أخرى بعيدًا عن الخطر؟
ونوّهت إلى أنه قبل الضربة الأمريكية، كان يُعتقد أن إيران تمتلك حوالي 880 رطلاً من اليورانيوم المخصب إلى درجة نقاء 60%؛ وهي نسبة أعلى بكثير من النسبة اللازمة لأي غرض مدني، وقريبة من نسبة 90% اللازمة عادةً لصنع قنبلة.
ووفقًا لصور الأقمار الصناعية تُظهر شاحنات مصطفة خارج منشأة "فوردو" المحصنة تحت الأرض، هدف تلك القنابل الأمريكية "الخارقة للتحصينات"، إضافة إلى مركبات تتحرك حول منشأة "أصفهان"، ما يشير بقوة إلى نقل المخزون؛ إذ يمكن لحاوياتٍ تحتوي على 880 رطلاً من اليورانيوم المخصب أن تتسع في بضعة صناديق سيارات.
وأشارت إلى أن "المنطق السليم يوحي بأن الإيرانيين لم يكونوا أغبياء بما يكفي ليتركوا كل ما لديهم من يورانيوم مخصب في مكان واحد" بعد أن شنت إسرائيل هجومها الأول في الـ13 من شهر يونيو/حزيران الجاري، وفق قولها.
كما طرحت الصحيفة تساؤلًا عما إذا كانت الضربة الأمريكية قد دمرت أجهزة الطرد المركزي المتطورة، التي تحتاجها إيران لتكرير اليورانيوم الذي قد لا يزال لديها أو تحصل عليه في المستقبل؛ أو ما إذا كانت هناك أجهزة طرد مركزي أخرى لتخصيب اليورانيوم موجودة في مواقع مجهولة مخفية عن عمليات التفتيش السابقة.
وأكدت الصحيفة أنه مع أجهزة الطرد المركزي العاملة، يمكن لإيران أن تسارع إلى تخصيب المزيد من الوقود النووي؛ وبدونها، سيظل النظام عالقًا حتى يتمكن من بناء أجهزة جديدة، لافتة إلى أنه، في جميع الأحوال، لا يمكن تدمير الخبرة التقنية، التي تراكمت لدى إيران على مدى عقود.
ونوّهت إلى ضرورة الذهاب إلى مزيد من المحادثات مع إيران؛ خصوصًا إذا تيقنت إدارة ترامب من عدم تدميرها الكامل للقدرة النووية الإيرانية.
وأوضحت أنه من الحكمة أن يقدم ترامب حوافز حتى مع احتفاظه بخيار المزيد من العمل العسكري، وأن يُبقي الهدف مُركزًا على كبح طموحات إيران النووية بدلًا من توسيع نطاق الأهداف لدرجة تُصعّب الدبلوماسية أكثر.
ويبدو ترامب، بحسب الصحيفة، مستعدًا لإعادة التواصل الدبلوماسي مع إيران، ولكن حتى الآن، ترفض إيران التفاوض، وترفض المحادثات مع واشنطن.
وأقرّ المشرعون الإيرانيون، مؤخرًا، مشروع قانون لتعليق التعاون مع مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية (على الرغم من أن الرئيس لم يوقع عليه بعد).
ولا يزال النظام يتعافى من أسبوعين من الغارات الجوية القاسية التي قضت أيضًا على قيادته العسكرية وألحقت أضرارًا بالغة ببنيته التحتية للطاقة، وقد لا يكون في عجلة من أمره للعودة إلى المحادثات، بحسب الصحيفة.
وأكدت الصحيفة أنه يجب استئناف المحادثات، وخاصةً إذا لم تقم الولايات المتحدة بتدمير القدرة النووية الإيرانية، فسيكون من الحكمة أن يقدم ترامب حوافز حتى مع احتفاظه بخيار المزيد من العمل العسكري، وأن يُبقي الهدف مُركزًا على كبح طموحات إيران النووية بدلًا من توسيع نطاق الأهداف لدرجة تُصعّب الدبلوماسية أكثر.
وإذا أصرت إيران على مواصلة برنامج نووي مدني؛ وهو ما تُصرّ حكومتها على أنه حقها، فيمكن القيام بذلك مع شركاء دوليين، تحت رقابة صارمة، مع عمليات تفتيش دقيقة وقيود على مستوى اليورانيوم المخصب المسموح لإيران بامتلاكه، إن وُجد.