رأى محللون سياسيون فرنسيون، أن دعوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال قمة المجموعة السياسية الأوروبية (EPC) في بودابست، لضرورة "كتابة التاريخ بأيدٍ أوروبية"، تأتي كجزء من رؤيته لأوروبا قوية وقادرة على اتخاذ قراراتها بشكل مستقل لصياغة مستقبلها الاستراتيجي بعيدًا عن الاعتماد الكامل على القوى التقليدية.
وقال المحلل السياسي الفرنسي المتخصص في الشأن الأوروبي نيكولا تينزر، لـ"إرم نيوز"، إن هذه الدعوة جاءت لتسلط الضوء على طموح ماكرون لجعل أوروبا أكثر استقلالية من الناحية الأمنية والاستراتيجية، في ظلّ التحولات الدولية المتسارعة التي باتت تشكل تحديات ملحة على القارة، أبرزها تداعيات الصراع الروسي-الأوكراني، والضغوط الأمريكية المتزايدة على حلف شمال الأطلسي، والتوترات في منطقة البحر الأبيض المتوسط.
وأشار تينزر، إلى أن ماكرون أراد بهذه الدعوة التذكير بأهمية الاستقلالية الأوروبية في مجالي الأمن والدبلوماسية، خاصة مع التحديات التي يفرضها النزاع الروسي الأوكراني والمخاطر الأخرى التي تواجه القارة.
وأوضح المحلل السياسي، أن تصريحات ماكرون خلال القمة تعكس رؤيته المستمرة نحو استقلالية أوروبا الاستراتيجية، مشيراً إلى أن هدف المجموعة السياسية الأوروبية هو تعزيز التعاون السياسي بين الدول الأوروبية، سواء كانت داخل الاتحاد الأوروبي أو خارجه، عبر تعزيز وحدة المواقف تجاه مسائل حيوية كالأمن والطاقة والدفاع.
واعتبر تينزر، أن دعوة ماكرون تأتي في إطار سعي أوروبي أكبر نحو دمج الدول المجاورة وخلق مساحة للتعاون، خاصة في مجالات مثل تنسيق الدفاع، دون اللجوء إلى عضوية الاتحاد الأوروبي فورًا.
ويرى تينزر أن هذه المبادرة هي خطوة نحو تمكين أوروبا من التحرك كقوة فاعلة عالميًا، مستقلة في قراراتها الاستراتيجية بما يتجاوز التحالفات العسكرية التقليدية.
وتابع: "بذلك، تُعتبر هذه الرسالة بمثابة دعوة لقادة القارة لتحمل المزيد من المسؤولية، وترسيخ دور أوروبا في الساحة العالمية، لتعزيز دورها كلاعب مستقل عن القوى التقليدية في صياغة مستقبلها السياسي والأمني".
تعزيز الاستقلالية الاستراتيجية
من جانبه، قال مدير معهد جاك ديلور المتخصص في الشؤون الأوروبية، سيباستيان ماييار، لـ"إرم نيوز"، إن تصريح ماكرون يمثل تأكيدًا متجددًا على رؤيته لاستقلالية استراتيجية أوروبية قادرة على مواجهة التحديات دون الاعتماد التام على الولايات المتحدة.
ولفت ماييار، إلى أن ماكرون يسعى إلى تحويل أوروبا من مجرد تابع استراتيجي إلى لاعب مستقل، خاصة في ظلّ التوترات المتزايدة بين الغرب وروسيا، وحاجة أوروبا لتكون فاعلة في أمنها وسياستها الخارجية.
إعادة تشكيل التحالفات الأوروبية
ويرى ماييار أن دعوة ماكرون تشكل رسالة ضمنية لتعزيز التكامل الدفاعي بين دول أوروبا ودمج دول الجوار في أنظمة التنسيق الأمني والسياسي، بما يتجاوز أعضاء الاتحاد الأوروبي الحاليين.
وتابع: "هذا يعكس توجّهًا لتوسيع الإطار الجيوسياسي الأوروبي ليشمل دول البلقان والبلطيق، بهدف تكوين تحالفات أكثر قوة وتماسكًا أمام التهديدات الخارجية".
تقليل الاعتماد على الناتو
واعتبر ماييار أن ماكرون يتوجه نحو تعزيز قدرة أوروبا على الردع الذاتي وتقليل الاعتماد على المظلة الأمريكية عبر حلف الناتو، مع زيادة الإنفاق الدفاعي للدول الأوروبية.
وشدد على أن هذا التحول يتطلب وقتًا واستثمارات ضخمة في قطاع الدفاع، ولكنه في الوقت نفسه يتيح للقارة قدرًا أكبر من المرونة في التعامل مع الأزمات الإقليمية.
ورأى أن هذه الدعوة تأتي في سياق الجهود لتعزيز وحدة الصف الأوروبي بشأن قضايا حيوية مثل الطاقة والهجرة والتغيرات المناخية، مشيراً إلى أن "كتابة التاريخ بأيدٍ أوروبية" تعني أيضًا رسم سياسات أوروبية موحدة ومستقلة تجاه هذه التحديات، مما يضع أوروبا في موقع قيادي على الساحة الدولية مع الحفاظ على هويتها وخصوصيتها.