قالت مصادر دبلوماسية أمريكية رفيعة المستوى، إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يستهدف تشتيت تركيز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن الملف الأساسي للقمة المرتقبة بينهما والمخصصة للمرحلة الثانية حول خطة السلام في غزة، بعملية ضرب إيران.
وأكدت المصادر الأمريكية لـ"إرم نيوز"، أن محور النقاش الرئيسي المجهز في هذه القمة، هو العمل على المرحلة الثانية من ملف غزة، والتي سيكون عمادها وجود القوات الإسرائيلية في مناطق أمنية محددة، وتجريد حماس من سلاحها، وفرض الأمن، وإمكانية تحقيق السلام.
وأوضحوا أن ترامب سيقع في حالة تناقض أمام الرأي العام في حال الذهاب إلى حرب مع إسرائيل نحو طهران، وذلك بعد أن أعلن في حرب الـ12 يومًا تدمير البرنامج النووي الإيراني، مشددين على ضرورة أن يتوخى الرئيس الجمهوري الحذر الشديد في كيفية استخدام القوات العسكرية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط المرحلة المقبلة، وإلا فعليه أخْذَ ذرائع نتنياهو بخصوص إيران على محمل الجد.
وقال مصدر دبلوماسي أمريكي رفيع المستوى، إن نتنياهو يستهدف خلال القمة التي ستجمعه مع دونالد ترامب، تشتيت تركيزه المتعلق بأزمة غزة وذلك من خلال طرح الملف الإيراني، والمماطلة في الذهاب إلى خطوات متقدمة وملحة تتعلق بمستقبل القطاع.
وأوضح المصدر لـ"إرم نيوز"، أن نتنياهو يريد أن يحاصر ترامب بملف جهزه ويحمل شكلًا ضخمًا لِما تقوم به إيران خلال الأشهر الأخيرة في برنامجها النووي من تجهيزات خطيرة كما يدعي، في حين أن الولايات المتحدة لديها التفاصيل الدقيقة بخصوص ما تقوم به طهران، ولذلك فإن الرئيس الجمهوري يتمسك بالتركيز خلال هذا الاجتماع، على التحرك لتنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.
وبحسب الدبلوماسي الأمريكي، فإن المرحلة الثانية من ملف غزة بالغة الأهمية الآن للرئيس ترامب، والتي سيكون عمادها وجود القوات الإسرائيلية في مناطق أمنية مُحددة، وتجريد حماس من سلاحها، وفرض الأمن، وإمكانية تحقيق السلام، فهذا هو محور المناقشة الرئيسية في الاجتماع.
وبين المصدر أن ترامب يتعامل مع إيران في الوقت الحالي على أنها ورقة تفاوض وليس للمضي إلى حرب شاملة نحوها، ويدرك إطار "الفزاعة" التي يبالغ فيها نتنياهو في أمر طهران، وهو ما ظهر بشكل كبير من ترويج معلومات استخباراتية من تل أبيب بخصوص مستجدات إيران وملفها النووي.
فيما يؤكد المدير التنفيذي لمركز السياسات الخارجية العالمية الأمريكي جاستن توماس راسل، أن المشكلة الحالية تكمن في مدى تأثير نتنياهو وحججه حول إيران في ترامب، ولا سيما أن خلال حرب الأيام الاثني عشر، أعلن الرئيس ترامب للعالم أن القوات الأمريكية والإسرائيلية قد دمرت برنامج إيران النووي وقلصت نفوذ طهران في المنطقة، ومع ذلك، يعتقد بنيامين نتنياهو الآن بوجود تهديد نووي من إيران مصحوبًا بقوة عسكرية منها، يشكل تهديدًا لإسرائيل.
وقال راسل لـ"إرم نيوز"، إنه إذا كانت الولايات المتحدة وإسرائيل، قامتا بتدمير البرنامج النووي الإيراني خلال حرب يونيو الماضية، فكيف يُعد هذا البرنامج النووي نفسه تهديدًا وشيكًا للأمن القومي الإسرائيلي والأمريكي اليوم؟"، من المستحيل أن يكون كلا الأمرين صحيحًا ودقيقًا.
وتساءل: "هل يقع ترامب مع تلك المعطيات في الفخ ويعود لملاحقة تهديد إيراني قد يكون موجودًا أو غير موجود ؟"، مشيرا إلى أنه في حال الذهاب لهذه الحرب، فقد يُشكل مشكلة إستراتيجية طويلة الأمد بالنسبة للحزب الجمهوري في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس عام 2026.
وبين المدير التنفيذي لمركز السياسات الخارجية العالمية الأمريكي أن وضعية الشيء ونقيضه، يجعل الرئيس ترامب يُعاني أيضًا من مشكلة المصداقية أمام الرأي العام، خاصة في رعايته لاتفاقيات سلام طويلة الأمد؛ ما ينعكس في إعلان نجاحاته في الصراع التايلاندي الكمبودي الذي انهار مؤخرًا، والأمر ذاته لتصاعد المواجهة بين جمهورية الكونغو ورواندا، فضلًا عن زيادة عدوانية تنظيم داعش في أماكن، مثل: سوريا والعراق.
وصرح راسل أن على دونالد ترامب أن يتوخى الحذر الشديد في كيفية استخدام القوات العسكرية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط المرحلة المقبلة، وينبغي ألا يأخذ ذرائع نتنياهو بخصوص إيران على محمل الجد.
وبدورها، ترى الباحثة في الشأن الفلسطيني، الدكتورة تمارا حداد، أن زيارة نتنياهو للولايات المتحدة، تأتي لتشتيت تفكير ترامب في مستقبل قطاع غزة، حيث يريد توجيه فكر الرئيس الجمهوري وبوصلة الاهتمام الأمريكي إلى قضايا أخرى وليس لإدارة المواجهة والذهاب إلى عملية سلام واسعة.
وتؤكد حداد لـ"إرم نيوز"، أن التداعيات المحتملة قد تكون في أكثر من سياق، حيث يسعى نتنياهو لتخفيف ضغط ترامب فيما يتعلق بتنفيذ خطة السلام ويحاول قدر المستطاع تضخيم ملفات أخرى والهروب إليها مثل إيران ولبنان والأمن الإقليمي والداخل الإسرائيلي.
وترجح حداد، رهان نتنياهو في قمته مع ترامب على إبطاء أي اختراق سياسي حقيقي فيما يتعلق بقطاع غزة مع الاكتفاء بتسوية جزئية بمعنى تنفيذ بعض البنود القليلة من خطة ترامب تحديدًا ما يتعلق بالانتقال إلى المرحلة الثانية، مقابل أن يناور في ملف الضفة الغربية أو الملف الإيراني أو حزب الله.
وأشارت إلى أنه حال استطاع نتنياهو تشتيت التركيز الأمريكي سيكون لإسرائيل هامش أوسع كمناورة عسكرية تحت ذريعة أن هناك تهديدات أمنية داخل القطاع، وأن هناك سلاحًا لحركة حماس من الضروري نزعه، وتحت ذريعة الضغط الأمني سيكون هناك تحقيق هامش أوسع للجانب الإسرائيلي دون تكلفة سياسية بالانسحاب الكامل من القطاع؛ ما يعني استمرار الاستهداف المحدود أو التصعيد المتقطع، بمعنى لا حرب شاملة ولا تهدئة مستقرة.
ولفتت الباحثة في الشأن الفلسطيني أن مسار الواقع الإنساني سيكون هناك إبقاء على إدارة الأزمة بفتح بسيط للمعابر ومساعدات قليلة وتحسين شكل البعد الإنساني دون حله بشكل كامل، وستبقى غزة ورقة تفاوضية لا يوجد لها حل نهائي، موضحة أنه حال عدم وجود وعود أمريكية واضحة وحاسمة في اللغة من ترامب على نتنياهو، فمن المرجح أن يشتري الأخير الوقت لتمديد حالة اللاحرب واللاسلم مع استمرار استنزاف القطاع سياسيًّا وإنسانيًّا.
وأوضحت حداد أن نتنياهو لديه إدراك بأن أرض غزة أصبحت عبئًا كبيرًا على الجانب الأمريكي نتيجة ما جرى من انتهاكات داخل القطاع وبالتالي أصبح العالم يرى أن الولايات المتحدة تساعد إسرائيل، وبالتالي أصبحت ثقلًا على واشنطن قبل أن يكون ذلك على المجتمع الدولي، ويعي حجم الضغط الأمريكي للانتقال إلى المرحلة الثانية وعودة الاستقرار هناك، ولذلك يلجأ بنقل مركز الثقل من أزمة غزة إلى ملف مغرٍ للولايات المتحدة وهو الملف الإيراني، ويذهب بمجريات أمنية واستخباراتية إيرانية مقلقة، حول تطوير طهران البرنامج الصاروخي والنووي، وهو ما سيستدعي أولويات واشنطن التي ستجدها في إطار ربط إيران بتهديد الوجود الإسرائيلي؛ ما يحوّل النظر الأمريكي عن غزة.
وتابعت بأن هناك مكاسب وأهدافًا يريد تحقيقها نتنياهو من هذه الصور، في صدارتها ما يخدم الدعاية الانتخابية في عام الحسم بإسرائيل. إذ إنه كلما كان أكثر تطرفًا، فاز باليمين المتشدد وكسب شركاءه في الحكومة الائتلافية؛ ما يحتم تعطيل الانتقال للمرحلة الثانية في غزة وفرض ترتيبات جديدة وفق مصالح الإسرائيليين.