في خطوة مثيرة للجدل، وافق نواب الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان)، يوم الأربعاء، ضمن لجنة الشؤون الاقتصادية، على مادة قانونية جديدة تُسهّل عمليات إخلاء وتدمير أحياء الصفيح في جزيرة مايوت، من خلال إلغاء شرط توفير سكن طارئ للأشخاص الذين يتم ترحيلهم في بعض الحالات.
هذه المادة تُعد جزءًا من مشروع قانون حكومي شامل لإعادة تأسيس مايوت، وقد حصل على موافقة مسبقة من مجلس الشيوخ، ومن المقرر مناقشته في الجمعية الوطنية ابتداءً من 23 يونيو/حزيران الجاري.
ومن جانبها، قالت الباحثة ليزا كارايون المتخصصة في حقوق المهاجرين وشؤون ما وراء البحار، في جامعة باريس 13، لـ"إرم نيوز"، إن الإجراءات الأخيرة لتسهيل الإخلاء وهدم أحياء الصفيح في مايوت تمثل ترهيبًا ممنهجًا وتجريمًا ضمنيًّا للسكان، ولا سيما المهاجرين غير النظاميين الذين يعيشون في ظروف هشة.
واعتبرت أن هذه السياسة الأمنية تفترض مسبقًا أن السكان "غير شرعيين"، وتُعاملهم على هذا الأساس قبل إثبات أي وضع قانوني.
وحول مسألة الجنسية في مايوت، تؤكد كارايون أن ما يدفع الناس للقدوم إلى الجزيرة ليس الطموح للحصول على أوراق قانونية، بل الفوارق الاقتصادية والتنموية الكبيرة بين مايوت وباقي جزر المنطقة، مشددة على أن مثل هذه القوانين لن تغيّر من واقع الجذب الهيكلي الذي تمثّله الجزيرة في المحيط الهندي.
وقالت: "ما يجذب الناس نحو مايوت ليس الوثائق، بل فرق التطوير بين الجزر… وهذه القوانين لن تغيّر من جاذبية الجزيرة".
وتبدي كارايون قلقًا بالغًا من إلغاء شرط توفير سكن طارئ للأشخاص الذين يتم إجلاؤهم، معتبرة أن ذلك يُكرّس احتكار الدولة للقوة باسم القانون، على حساب الحد الأدنى من الضمانات الإنسانية.
وتحذر من أن ذلك يخلق واقعًا مأساويًّا تصفه بـ"إقامة الأشباح"، حيث يُترك الأفراد بلا مأوى أو حقوق، حتى في الحالات الاستثنائية مثل الأعاصير أو الكوارث الطبيعية.
بدوره، قال الباحث أنطوني غورو-بونسو، أستاذ التخطيط العمراني في جامعة مونبلييه، لـ"إرم نيوز"، إنه من منظور عمراني، فإن سياسة الهدم دون بدائل واضحة تمثل مقاربة قصيرة النظر تفاقم الهشاشة العمرانية والاجتماعية في مايوت.
ويشير إلى أن العلاقة بين الكوارث الطبيعية والتنظيم العمراني الهش لا يمكن تجاهلها، منتقدًا المساعي الرسمية التي تتجاهل ديناميكيات المجتمع المحلي.
ويحذر غورو-بونسو من أن الإخلاء القسري والهدم السريع لأحياء الصفيح سيُنتج مزيدًا من الفراغات الحضرية غير المنظمة، ويقوّض قدرة الدولة على إدارة النمو السكاني المستقبلي. ويشدد على ضرورة تبني استراتيجيات استباقية، تتضمن ربط الأحياء الفقيرة بالخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه، ومنحها وضعًا قانونيًّا مؤقتًا يتيح تطويرها بدلًا من إزالتها بالكامل.
تشديد الإجراءات ضد البناء العشوائي
وخلال جلسة اللجنة، ركّز النواب على التصدي للبناء العشوائي، الذي يعد من أخطر الأزمات التي تواجه الأرخبيل المكتظ بالسكان.
ووافقت اللجنة على مادة تسمح للسلطات بأمر بهدم مساكن غير شرعية خلال 24 ساعة فقط، إذا ثبت أن بناءها تم منذ أقل من سبعة أيام، مقارنة بالأجل الحالي الذي يبلغ أربعة أيام.
الأكثر إثارة للجدل هو أن هذه المادة الجديدة تلغي إلزام السلطات بإرفاق قرار الإخلاء بمقترح سكن بديل أو طارئ. وهو ما أثار انتقادات حادة من بعض النواب، إذ عبّر النائب البيئي شارل فورنييه عن رفضه قائلًا: "نحتاج إلى إجراءات تسرّع بناء مساكن لائقة، لكن تقليص آجال الطرد بدون توفير بدائل، إلى أين سيذهب هؤلاء الناس؟".
تسهيل نزع الملكية لبناء مشاريع بنية تحتية
وفي مادة أخرى، أعاد النواب صياغة بند يُسهّل الإجراءات الاستثنائية لنزع الملكية في مايوت لصالح مشاريع البنية التحتية الحيوية. هذا البند أثار سخطًا شعبيًّا واسعًا في الجزيرة.
وقد ذكّرت النائبة إستيل يوسوفا بأن "سكان مايوت بكاملهم يقفون ضد هذه المادة"، في محاولة منها لحذفها من المشروع.
ورغم ذلك، تم اعتماد تعديل اقترحته، يقضي بحصر تطبيق هذا الإجراء الاستثنائي في مشاريع البنية التحتية البحرية والجوية فقط، مما قلّص من نطاق تأثير المادة.
وعود حكومية بتحقيق العدالة الاجتماعية
كما ناقشت لجنة القوانين في البرلمان تقريرًا مرفقًا بالمشروع يتضمن الالتزامات المالية والاجتماعية للحكومة تجاه مايوت، ومنها خطوات لتحقيق "تقارب اجتماعي" مع باقي مناطق فرنسا.
ويُذكر أن مخصص RSA (الدخل التضامني) في مايوت لا يزال أقل بنسبة 50% مقارنة بالبر الفرنسي.
تمت الموافقة على تعديل قدّمه النائب فيليب فيجييه، المقرر العام للنص، يقضي بتحديد مرحلة انتقالية لرفع الحد الأدنى للأجور (SMIC) إلى 87.5% من مستواه الوطني بحلول 1 يناير 2026.
ورغم أن النص الأساسي يهدف للوصول إلى مساواة كاملة في الأجر الأدنى بحلول عام 2031، إلا أن النائبة يوسوفا نجحت في تمرير تعديل يُقدّم هذا الموعد إلى عام 2027 في أحد أجزاء النص، رغم اعتراض المقرر العام.
وبينما تسعى الحكومة الفرنسية إلى إعادة تشكيل الوضع في مايوت من خلال تسريع الهدم والإخلاء والبناء، فإن القرارات التشريعية الحالية تواجه انتقادات واسعة من حيث الأبعاد الإنسانية والاجتماعية، وسط تحذيرات من تفاقم الأوضاع في جزيرة تُعدّ الأفقر والأكثر هشاشة ضمن الأراضي الفرنسية.