logo
العالم

حروب ثقافية على الطريقة الأمريكية "تسمم" سياسة الاعتدال في السويد

حروب ثقافية على الطريقة الأمريكية "تسمم" سياسة الاعتدال في السويد
05 أكتوبر 2023، 3:21 ص

على مدى السنوات القليلة الماضية، بدا أن هناك تغييرًا حقيقيًّا يحدث في السويد، فالخطاب السياسي بات "عدوانيًّا" ويركز على الحروب الثقافية، وتطغى عليه حالة مستمرة من الغضب.

غالبًا ما تبدو المفردات الصاخبة وكأنها مأخوذة مباشرة من قنوات الأخبار الأمريكية، وفقًا لتقرير نشر في صحيفة "الغارديان" البريطانية.

ووصل العنف المسلح وجرائم العصابات إلى مستويات قياسية؛ فشهر أيلول/سبتمبر الماضي كان الأكثر عنفًا في حوادث إطلاق النار المسجلة؛ ما ساعد في إذكاء ثقافة الخوف وتصاعد لعبة اللوم السياسي حول سياسات الهجرة واللجوء السياسي.

تجريد المهاجرين من إنسانيتهم ليس بالشيء الجديد بالنسبة للقوميين والجماعات اليمينية المتطرفة في السويد، التي توسعت الآن في هجماتها لتشمل أيضًا المثليين والصحفيين والعلماء ونشطاء البيئة والمجتمع المدني، بالإضافة إلى النخبة الثقافية المزعومة من أبناء المدن المتعلمين الذين فشلوا في حماية القيم السويدية.

غالبًا ما كانت السياسة السويدية تتطلع إلى الولايات المتحدة، فلأكثر من نصف قرن تقريبًا أرسلت مؤسسات الفكر والأبحاث والمنظمات السياسية اليمينية أذكى الإستراتيجيين لديها للتعلم من حركة المحافظين في الولايات المتحدة، وخلال الزيارات كان التركيز منصبًّا على التعرف على السياسات الاقتصادية اليمينية، وأفكار السوق الحرة، وإلغاء القيود التنظيمية.

ولكن الأمور تغيّرت منذ انتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة، فالإستراتيجيون من الديمقراطيين السويديين والديمقراطيين المسيحيين شرعوا في القيام برحلات لا تعد ولا تحصى إلى الولايات المتحدة؛ للتعلم من محافظي تيّار "ماغا" المؤيد لترامب، بل إن العديد منهم عمل في حملات ترامب الانتخابية كما يقول "بيل مكورماك"، أحد الباحثين المخضرمين في مركز أبحاث (تيمبرو) السويدي.

حتمًا القومية والشعبوية المعادية للأجانب لم يتم اختراعهما في الولايات المتحدة، ولكن رئاسة ترامب قادت إلى انتشارهما على نحو واسع في العالم، وجعلت القوميين السويديين يتجرؤون على تقليد أسوأ ما يتسم به أسلوبه.

الباحث السياسي "اندرياس يوهانسون" يشير إلى حدوث تحول واضح بين الأجيال، فالمفكرون والأيديولوجيون اعتادوا الانضمام إلى المؤسسات المحافظة في السويد؛ بسبب وجهات نظرهم حول السياسة الاقتصادية والضرائب ودولة الرفاهية، ولكن يبرز الآن جيل جديد يدخل إلى عالم السياسة بسبب الحرب الثقافية تحديدًا، وهي ما تدفعهم لأن يصبحوا محافظين.

إن التصعيد الواضح في الهجمات السياسية ضد المثليين ونشطاء المناخ الشباب والمسلمين هو في جزء منه إيقاظ لأشكال التحيز والتعصب القديمة، ولكن ترامب لعب دورًا مهمًّا في إعطاء الرجعيين الغاضبين قواعد اللعبة التي يمكنهم تقليدها، حيث نظر الديمقراطيون السويديون إلى حركته لمعرفة كيفية تسخير هذه المشاعر سياسيًّا، حسب اعتقاد المراقبين.

استقبلت السويد في منتصف العقد الثاني من هذه الألفية مئات الآلاف من طالبي اللجوء السياسي، معظمهم من سوريا وأفغانستان والعراق، لدرجة أنها أصبحت عام 2015 الأعلى من حيث استقبال اللاجئين مقارنة بدول الاتحاد الأوروبي الأخرى، ولكن مع هيمنة ما يصفه المحللون والباحثون بـ"روايات المحافظين" على وسائل الإعلام، وصعود الديمقراطيين السويديين، وابتعاد الرأي العام السويدي عن تقبل فكرة تعددية الثقافات، حدثت تحولات جذرية في استطلاعات الرأي بالسويد، أسفرت عن تشديد القيود على سياسات الهجرة.

وبمجرد إطلاق العنان لها من الصعب أن تتراجع الحروب الثقافية من الحياة العامة في المجتمعات، قد لا يكون الاستقطاب مسيطرًا بشكل قاتم على السياسة السويدية، كما هي الحال في الولايات المتحدة، ولكن خطاب الكره والغضب الذي يتم التعبير عنه من خلال النقد اللاذع، بدأ يصعد إلى السطح في السنوات الأخيرة.. وربما يبقى هنا.

المصدر: صحيفة "الغارديان" البريطانية

;
logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC