نجحت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني في وضع نفسها في موقف سياسي نادر في إيطاليا، بعدما حافظت على شعبية مرتفعة وتمكّنت من تحقيق الاستقرار الاقتصادي، وحكومة لم تتعرض لأزمات كبرى منذ توليها المنصب في 2022.
وبينما أثارت هذه الإنجازات إعجاب مؤيديها في أوروبا، فإن خصومها شنّوا هجمات حادة على سياساتها بسبب تراجع القوة الشرائية وارتفاع معدلات الفقر؛ ما وضع حكومتها في قلب جدل محتدم حول التوازن بين الاستقرار الاقتصادي والعدالة الاجتماعية.
ويؤكد المحللون أن ميلوني مع إتمامها 3 سنوات في رئاسة الحكومة الإيطالية، نجحت في خفض عجز الميزانية الإيطالية إلى أقل من 3% من الناتج المحلي الإجمالي المتوقع في 2026؛ ما يتيح للبلاد الخروج من العجز المفرط الذي فرضته المفوضية الأوروبية العام الماضي، كما انخفضت تكلفة الاقتراض على إيطاليا بشكل كبير، لتقترب من نظيرتها الفرنسية، في حين سجل سوق العمل تراجعًا في معدل البطالة من 8 إلى 6%؛ ما عزز الإيرادات الضريبية.
لكن هذه الصورة الاقتصادية المستقرة تتناقض مع واقع المواطنين العاديين؛ فالنمو الاقتصادي هذا العام لا يتجاوز 0.5%، والرواتب بعد احتساب التضخم تظل أقل من متوسط الاتحاد الأوروبي، فيما أدت تغييرات في برامج الدعم الاجتماعي إلى زيادة الفقر بين الإيطاليين، وهذه الفجوة بين الإنجازات الاقتصادية وصعوبات الحياة اليومية تثير تساؤلات حول مدى قدرة الحكومة على تحويل الاستقرار السياسي إلى رفاه ملموس للمواطنين.
وكشف مراقبون أن ميلوني، على الصعيد السياسي، استطاعت إبقاء قاعدة اليمين المتطرف راضية، مع تقديم نفسها في الوقت نفسه كسياسية محترمة أمام الأسواق والاتحاد الأوروبي، وهذا التوازن بين الخطاب الشعبوي والأداء الحكومي الصلب منحها ميزة نادرة في الساحة الأوروبية، حيث يعاني جيرانها، مثل فرنسا، من تقلبات سياسية متكررة وأزمات مالية مستمرة.
كما تمارس ميلوني أيضًا سياسة خارجية محسوبة، من خلال دعم أوكرانيا، وعلاقات متقنة مع بروكسل، وتحركات بارزة في أوروبا اليمينية، بما في ذلك محاولات التأثير على سياسات الاتحاد الأوروبي بشأن الهجرة والطاقة، لكنها في الوقت نفسه تحافظ على برنامج داخلي محافظ للغاية: تقييد حقوق الإنجاب، وتشديد العقوبات ضد المتظاهرين، وفرض قيود على الاعتراف القانوني بالأسر المثلية، وهذه السياسات أطلقت جدلاً داخليًا واسعًا حول الحدود بين السلطة التنفيذية وحقوق الأفراد، بينما تؤكد ميلوني على أنها تعمل من أجل "إدارة جيدة" للدولة، ليس أكثر.
لكن رغم شعبيتها، يواجه التحالف السياسي لميلوني تحديات، من ضمنها نفوذ حليفها ماتيو سالفيني، الذي يسعى لتقويض موقفها المؤيد لأوكرانيا، إلى احتجاجات واسعة ضد سياساتها في الشرق الأوسط، وبالنسبة للمعارضة اليسارية، فإن الانقسامات الداخلية تجعلها غير قادرة على تقديم بديل واضح للمواطنين؛ ما يترك ميلوني في وضع مريح على الرغم من الانتقادات الاقتصادية والاجتماعية.
ويعتقد الخبراء أن تجربة ميلوني تقدم صورة متناقضة: حكومة مستقرة وموثوقة اقتصاديًا، لكنها تترك شريحة كبيرة من الإيطاليين تعاني من تداعيات سياسات تقشفية واجتماعية صارمة، وبينما يُنظر إلى ميلوني في أوروبا كنموذج للقيادة اليمينية الناجحة، يظل السؤال الأكبر يدور حول مدى استمرار هذا النجاح إذا فشلت ميلوني في معالجة التحديات اليومية للمواطنين.