قال خبراء في القانون الدولي وحقوق الإنسان، إن محاكمة 6 من أعضاء منظمة إغاثية إيطالية بتهمة "تسهيل الهجرة غير النظامية"، تمثل منعطفًا خطيرًا في علاقة أوروبا بالعمل الإنساني.
ورأى الخبراء، أن محاكمة منظمة "Mediterranea Saving Humans" تطرح تساؤلات عميقة حول مدى اتساق سياسات الاتحاد الأوروبي مع مبادئه المعلنة في الدفاع عن "حقوق الإنسان" و"كرامة اللاجئين".
وقالت إليز فافور، الباحثة في مركز الدراسات الأوروبية بجامعة السوربون والمتخصصة في سياسات الهجرة الأوروبية، إن"ما يجري في إيطاليا، اليوم، ليس مجرد قضية، بل اختبار أخلاقي للغرب".
ورأت فافور في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن "تحويل عمليات إنقاذ الأرواح في البحر إلى أفعال جنائية يهدد بنزع الشرعية عن منظومة القيم التي تدّعي أوروبا الدفاع عنها منذ الحرب العالمية الثانية".
بدورها، قالت فلورانس بونافوس، أستاذة القانون الأوروبي في جامعة باريس بانتيون-سوربون والمتخصصة في دراسات اللجوء والهجرة، إن هذه المحاكمة "تسلّط الضوء على التوتر العميق بين الأمن والسياسة والإنسانية".
وأضافت بونافوس لـ"إرم نيوز"، أن "التعامل مع المنظمات غير الحكومية كخصم سياسي لا كشريك إنساني، يكشف عن ميل متزايد لتقنين اللامبالاة تجاه معاناة المهاجرين العالقين في البحر الأبيض المتوسط".
وفي سابقة هي الأولى من نوعها، مثل 6 من أعضاء المنظمة الإيطالية "MSH"، أمام محكمة مدينة راغوزا في جزيرة صقلية، الثلاثاء الماضي، بتهم تتعلق بـ"تسهيل الهجرة غير الشرعية" و"تشكيل جمعية إجرامية".
وتعود القضية إلى سبتمبر/أيلول 2020، حين قامت المنظمة بنقل 27 مهاجرًا من على متن ناقلة النفط التجارية "Maersk Etienne" التابعة لشركة الملاحة الدنماركية العملاقة "A.P. Møller-Maersk"، بعد أن تُركوا عالقين لأكثر من شهر كامل في البحر، دون السماح لهم بالرسو في مالطا أو إيطاليا.
وخلال تلك الفترة، وصفت الشركة الدنماركية الوضع على متن السفينة بأنه "كارثي إنسانيًا"، بعد محاولات بعض المهاجرين الانتحار بالقفز في البحر، بينما أصدرت المفوضية الأوروبية والأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) والمنظمة الدولية للهجرة (IOM) بيانات عاجلة تطالب بالسماح بإنزالهم "احترامًا للقانون الدولي البحري والكرامة الإنسانية".
تدور القضية الحالية حول تحويل مالي بقيمة 125 ألف يورو قامت به شركة ميرسك تانكرز إلى شركة إيدرا، وهي الجهة التي تدير منظمة "Mediterranea Saving Humans"، بعد أشهر من انتهاء عملية الإنقاذ.
وتؤكد النيابة الإيطالية أن المبلغ كان مقابل استقبال المهاجرين على سفينة المنظمة، بينما تصر الشركة الدنماركية على أنه تبرع شفاف لتغطية النفقات الناتجة عن عملية الإنقاذ التي تخلّت عنها الدول الأوروبية.
وجاء في بيان رسمي صادر عن "ميرسك تانكرز" عام 2021، أن الشركة "لم تتلقَّ أي مقابل مادي أو وعدًا ماليًا قبل أو أثناء عملية الإنقاذ"، مؤكدة أن "كل المراسلات تمت بعد انتهاء الأزمة وبشكل علني".
وفي بيان صدر عشية المحاكمة، قالت منظمة "Mediterranea Saving Humans"، إنه "بعد 5 سنوات من الاتهامات، نأمل أن تكون هذه المحاكمة فرصة لكشف الحقيقة الكاملة، وتحويل الاتهام بالإنقاذ إلى محاكمة لأولئك الذين تركوا البشر يموتون في البحر"، بحسب صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية.
وخلال الجلسة الأولى، أثار فريق الدفاع سلسلة من الاعتراضات القانونية حول مشروعية التنصت على المكالمات الهاتفية التي شملت محامين، وصحفيين، ورجال دين، وحتى نوابًا في البرلمان، واصفًا القضية بأنها "تضييق على العمل المدني باسم القانون".
وتأتي هذه القضية في سياق سياسة متشددة تتبناها الحكومة الإيطالية منذ تولي جورجيا ميلوني رئاسة الوزراء العام 2022، والتي جعلت من مكافحة الهجرة غير الشرعية ركيزة أيديولوجية لخطابها السياسي.
وتتهم منظمات إنسانية الحكومة بـ"شيطنة المنظمات غير الحكومية" التي تقوم بعمليات إنقاذ في البحر المتوسط، في وقت تتزايد فيه أعداد المهاجرين الفارين من النزاعات والفقر في أفريقيا والشرق الأوسط.