بوتين: أي قوات غربية في أوكرانيا ستكون هدفا للجيش الروسي
قال خبراء فرنسيون إن اجتماع قادة أركان الجيوش في حلف شمال الأطلسي "الناتو" لبحث الأزمة الأوكرانية يمثل لحظة مفصلية قد تحدد شكل الأمن الأوروبي بعد الحرب، وما إذا كان الحلف يستعد فعلياً لمرحلة "اليوم التالي".
الاجتماع الذي يُعقد عبر تقنية الفيديو، يأتي في أعقاب سلسلة تحركات دبلوماسية بارزة، أهمها لقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في ألاسكا، ولقاءات موازية في واشنطن بين زعماء أوروبيين والبيت الأبيض. لكن التحذيرات الروسية من تجاهل موقف موسكو في أي ترتيبات أمنية تلقي بظلالها الثقيلة على المناقشات.
ويجتمع رؤساء أركان جيوش دول الناتو، اليوم الأربعاء، عبر الفيديو لمناقشة الصراع في أوكرانيا، وذلك في إطار المباحثات بين حلفاء كييف حول الضمانات الأمنية التي يمكن تقديمها لها في حال التوصل إلى اتفاق سلام مع موسكو.
يأتي الاجتماع بعد الجهود الدبلوماسية المكثفة منذ لقاء الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين في ألاسكا لبحث إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية التي بدأت في العام 2022، بحسب صحيفة "لوموند" الفرنسية.
وقبل بدء المؤتمر بقليل، وجّه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف تحذيراً، قال فيه إن أي نقاش حول الضمانات الأمنية الغربية يتجاهل موقف موسكو هو "طريق مسدود".
وأضاف لافروف أن "الغرب يدرك تماماً أن مناقشة ضمانات الأمن دون روسيا أمر يوتوبي.. لا يمكننا القبول بأن تتم معالجة قضايا الأمن الجماعي من دون روسيا".
كما اتهم لافروف الأوروبيين بمحاولة الضغط على ترامب لتغيير موقفه، قائلاً: "لا نرى سوى تصعيد عدائي ومحاولات غير موفقة لتغيير موقف الرئيس الأمريكي".
ويوم الثلاثاء، صرح ترامب بأن الولايات المتحدة مستعدة لتقديم دعم عسكري جوي كضمانة أمنية لأوكرانيا في حال التوصل إلى اتفاق مع روسيا، مستبعداً إرسال قوات برية أمريكية، معتبراً أن هذه المهمة منوطة بالأوروبيين.
وقال ترامب: "إنهم (الأوروبيون) مستعدون لإرسال قوات على الأرض"، في إشارة إلى قادة فرنسا وألمانيا وبريطانيا الذين التقاهم في المكتب البيضاوي.
من جهتها، شددت المتحدثة باسمه، كارولين ليفيت، على أنه "لا قوات أمريكية ستُرسل إلى أوكرانيا".
بدورها، حذرت روسيا من أن أي تسوية يجب أن تضمن أمنها وأمن الروس الناطقين بالروسية في أوكرانيا، وهو المبرر الذي استخدمته عند اندلاع الحرب في فبراير/شباط عام 2022.
وفي الوقت نفسه، استقبل ترامب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في واشنطن بعد أيام من لقائه بوتين.
وأعرب المشاركون في الاجتماعات عن ارتياحهم للتقدم في ملف الضمانات الأمنية لكييف، فيما وافق بوتين مبدئياً على لقاء زيلينسكي في الأسابيع المقبلة، لكن الرئيس الأوكراني رفض عقد اللقاء في موسكو، مقترحاً جنيف بوساطة فرنسية.
من جهة أخرى، اجتمع "تحالف المتطوعين" المؤلف من ثلاثين دولة داعمة لكييف عبر الفيديو برعاية رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وناقشوا إمكانية نشر قوة أوروبية-أمريكية مشتركة لضمان الردع إذا توقفت الأعمال القتالية.
لكن مسألة التنازلات الإقليمية تبقى الأكثر حساسية، إذ تحتل روسيا حالياً نحو 20% من الأراضي الأوكرانية.
ويصر الأوروبيون أن هذا الملف يخص كييف وموسكو فقط، فيما دعا ترامب زيلينسكي إلى إظهار "مرونة"، مشيراً إلى منطقة دونباس على وجه الخصوص.
وفي الميدان، أعلنت موسكو سيطرتها على ثلاث بلدات جديدة في دونيتسك ودنيبروبتروفسك، مواصلة تقدمها أمام قوات أوكرانية أقل عدداً وتسليحاً.
وفي هذا السياق، قال المستشار البارز في مؤسسة البحث الاستراتيجي، فرانسوا هايسبورغ، إن هذا الاجتماع يشكل اختباراً حقيقياً لمدى وحدة الموقف الغربي تجاه روسيا.
وأضاف هايسبورغ، لـ"إرم نيوز"، أن ترامب يحاول إيجاد صيغة "أمنية" تُبقي أمريكا في موقع المهيمن الجوي، بينما يُلقي بالعبء البري على الأوروبيين، وهو ما قد يفتح الباب أمام خلافات حادة داخل الحلف.
وأشار إلى أن الإصرار الروسي على إشراكها في أي ترتيبات، يعكس إدراك موسكو أنها لم تعد قادرة على فرض شروطها عسكرياً بالكامل، لكنها تسعى للحصول على اعتراف سياسي بدورها كقوة عظمى لا يمكن تجاوزها.
ولفت هايسبورغ أيضاً إلى أن الحديث عن "التنازلات الإقليمية" ينذر بخطر إعادة إنتاج سيناريو ميونيخ عام 1938 بشكل معاصر، أي مقايضة الأرض بالسلام، وهو ما قد يمنح روسيا شعوراً بالنصر، ويشجعها على محاولات شن حروب مستقبلية.
من جانبه، أكد الدبلوماسي الفرنسي السابق، والباحث الفرنسي البارز في معهد مونتيني، ميشال دوكلو، أن الناتو يعيش مرحلة "إعادة تعريف للردع"، حيث لم يعد السؤال فقط كيف نوقف الحرب الآن، بل كيف نمنع اندلاع حرب أخرى بعد عامين أو ثلاثة.
وأضاف دوكلو، لـ"إرم نيوز"، أن الحديث عن قوة مشتركة أوروبية-أمريكية لن يكون مجرد مبادرة رمزية، بل هو حجر أساس في نظام أمني جديد سيظهر على حدود روسيا.
وحذر من أن أوروبا لا تستطيع الركون إلى المظلة الأمريكية وحدها، خصوصاً في ظل شخصية مثل ترامب الذي يغير مواقفه بسرعة، لذلك فإن الاجتماع يمثل أيضاً فرصة للأوروبيين لبناء قدرات دفاعية أكثر استقلالاً مع الإبقاء على التحالف مع واشنطن.
وأكد دوكلو أن الاجتماع ليس فقط لبحث ضمانات أمنية مستقبلية لأوكرانيا، بل هو أيضاً محطة اختبار لشكل العلاقة بين أوروبا وأمريكا داخل الناتو، ولما إذا كانت روسيا ستُقبل كطرف مشارك في صياغة الأمن الإقليمي.