من مالي والكونغو الديمقراطية إلى غزة وأوكرانيا، ليسوا سوى الجزء الأكثر وضوحا من عالم يعاني من تصاعد حدة الحروب والعنف السياسي والنزاعات المسلحة خلال عام 2025، ولاسيما في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
"واحد من كل ثمانية أشخاص معرض الآن للحرب"، هذه خلاصة بيانات دولية متخصصة في النزاعات، وتشمل هذه الأرقام طيفاً واسعاً من الحالات، فالحروب الأهلية، والنزاعات غير المتكافئة، وحروب العصابات، تؤثر على السكان المدنيين بقدر تأثير الحروب "التقليدية" بين الدول، متسببة أيضاً في وفيات وأزمات إنسانية ونزوح قسري.
وخلّف 1450 نزاعا مسلحا خلال عام 2025 في العالم حصيلة ثقيلة في الأرواح، حيث سُجِّل أكثر من 200 ألف حادثة عنف سياسي أسفرت عن 240 ألف قتيل على الأقل، ما يعكس إن أكثر الحروب شيوعا ليست عابرة للحدود، بل هي تلك التي تُشنّها القوات المسلحة الحكومية ضد جماعة مسلحة أو أكثر داخل حدود الدولة نفسها. وتُصنّف هذه الحركات، التي تُعرف عموما بالحركات غير النظامية أو المتطرفة أو الانفصالية، إلى حركات تسعى للاستيلاء على السلطة أو الدفاع عن نفسها ضد تهديدات الدولة المركزية.
وفي حالة النزاعات الداخلية، قد تكون التوترات ذات منشأ عرقي أو ديني أو اقتصادي أو جغرافي. وتُعدّ هذه الحروب الداخلية من أكثر النزاعات تعقيدًا في حلّها، نظرًا لانتشارها عبر أراضٍ شاسعة ووجود فصائل متعددة.
ومن بين 31 دولة صنّفها مشروع بيانات مواقع النزاعات المسلحة "أكليد" ضمن فئتي "الإنذار الشديد" أو "الإنذار العالي"، تشهد 26 دولة حروبًا داخلية.
ويجعل وجود عدد كبير من الجماعات المسلحة، المفاوضات والوساطة أكثر صعوبة مقارنةً بالنزاعات بين دولتين، وهو ما عليه الحال مع رواندا، المتهمة بدعم حركة 23 مارس المتمردة المسؤولة عن العديد من الفظائع في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، أما بورما، البلد الذي يشهد أشدّ حالات التشرذم، تشارك أكثر من 2600 جماعة مسلحة في الحرب ضد المجلس العسكري الحاكم. وفي ميانمار، يتلقى قادة الانقلاب دعماً عسكرياً من الصين والهند.
وتشير التقديرات الدولية إلى تضاعف عدد النزاعات المسلحة في جميع أنحاء العالم أكثر من مرتين خلال السنوات الخمس والعشرين الماضية التي تطورت إلى حروب. وتضاعف عددها ثلاث مرات في أوروبا والأمريكتين وأفريقيا، وضعف عددها في الشرق الأوسط، مع زيادة ملحوظة في آسيا أيضاً.
وفي أفريقيا ضمن أكثر من 50 نزاعًا مسلحًا نشطًا في القارة حاليا، تمثل نحو 40 بالمائة من النزاعات المسلحة في العالم، تسببت في نزوح نحو 35 مليون شخص في جميع أنحاء القارة، أو ما يقرب من نصف إجمالي النازحين داخليًا على مستوى العالم.
وتبرز منطقة الساحل كأكثر البؤر توترا، إذ أسفر العنف السياسي عن مقتل أكثر من 10000 شخص في بوركينا فاسو ومالي والنيجر، وتواصل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة لتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة زرع الرعب وتهديد كيان الدولة. في وقت يشن المتطرفون اختطافات بالجملة تعرض 30 مواطناً أجنبياً للاختطاف في مالي والنيجر.
أما البحر الأحمر يشهد اضطرابات منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، واستمرت الأزمة طوال عام 2025، وظلت هجمات الحوثيين محركاً رئيسياً لانعدام الأمن، في حين ظهرت توترات جديدة في القرن الأفريقي، تغذيها الطموحات المتنافسة وتدخل القوى الإقليمية.
في حين أن معظم اهتمام العالم قد تركز على غزة وأوكرانيا، فإن جنوب شرق آسيا لم يكن بمنأى عن ذلك، حيث تسلط التوترات الحدودية المستمرة بين تايلاند وكمبوديا الضوء على التحديات المستمرة التي تواجه الاستقرار الإقليمي.
وفي أمريكا اللاتينية، منذ توليه منصبه في 20 يناير، وسّع الرئيس دونالد ترامب الوجود العسكري الأمريكي من خلال عملية "الرمح الجنوبي"، حيث نشر حاملة الطائرات "يو إس إس جيرالد آر فورد" في منطقة البحر الكاريبي وطائرات في بورتوريكو، ويبدو أن هذا الحشد العسكري يستهدف فنزويلا، حيث سمحت الولايات المتحدة بعمليات برية بقيادة وكالة الاستخبارات المركزية في البلاد. وقد اتهمت الولايات المتحدة الزعيم الفنزويلي نيكولاس مادورو بقيادة "كارتل لوس سوليس"، وهي جماعة إجرامية مزعومة صنفتها وزارة الخارجية الأمريكية منظمة إرهابية أجنبية.
ومع اقتراب عام 2025 من نهايته، شهد هذا العام حروبا في غزة وأوكرانيا والسودان والشرق الأوسط وميانمار، حصدت أرواحاً لا حصر لها، وأجبرت الملايين على النزوح من ديارهم، ودمرت البنية التحتية، في حين لا تزال محادثات السلام تحرز تقدماً ضئيلاً.
وما فاقم الأزمات الإنسانية انخفاض تمويل المساعدات الدولية، ففي يوليو، كشفت دراسة دولية أن انهيار التمويل الأمريكي المخصص للمساعدات يمكن أن يؤدي إلى أكثر من 14 مليون حالة وفاة إضافية بحلول عام 2030 بين الفئات الأكثر ضعفاً، بما في ذلك ثلث الأطفال.