يقود المطران تيخون شيفكونوف، المعروف بقربه الشديد من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مشروعاً دينياً وثقافياً ضخماً في مدينة سيفاستوبول بشبه جزيرة القرم.
يهدف المشروع، وفق صحيفة "لو فيغارو" الفرنسية، إلى تأكيد الانتماء الروسي العميق لهذه المنطقة المتنازع عليها.
وذكرت الصحيفة: "يتمحور المشروع حول كاتدرائية القديس فلاديمير، المبنية في موقع يُعتقد أن الأمير فلاديمير قد تعمّد فيه عام 988، وهو الحدث الذي يُعتبر بداية دخول روسيا في المسيحية الأرثوذكسية".
وتقع أطلال مدينة خيرسونيسوس الإغريقية إلى جانب الكاتدرائية، وهو موقع أثري مدرج ضمن التراث العالمي لليونسكو.
وبحسب التقرير، فإن هذا المشروع، المعروف باسم "خيرسونيس الجديدة"، وُضع برعاية مباشرة من الرئيس الروسي، ويجمع بين الطابع الديني، والترفيهي، والسياسي، ويهدف إلى تقديم شبه جزيرة القرم باعتبارها "مهد العالم الروسي".
ودُشّن رسميًّا في يوليو 2023، ليصبح رمزًا لمطالبة موسكو الدائمة بالسيادة على القرم، التي ضمتها في 2014، في خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي.
ولعب المطران تيخون، الذي يُعتبر من أبرز الشخصيات الدينية المقربة من الكرملين، دورًا محوريًّا في هذا المشروع، فإلى جانب دوره الروحي، تولّى الإشراف على التخطيط والبناء، مستفيدًا من علاقاته الواسعة في أوساط رجال الأعمال والسياسة.
بدوره، يصف تيخون المشروع بأنه وسيلة لإحياء القيم الروحية والتاريخية التي تشكل هوية روسيا، ويؤكد أن هدفه هو أن يشعر الزائرون وكأن هذه المعالم كانت دائمًا جزءًا من هذا المكان.
كما بُنيت مدينة على مساحة تفوق 24 هكتاراً، تتضمن أكثر من ثلاثين مبنى، من بينها ثلاثة متاحف ضخمة، أحدها يُعد الأكبر في روسيا في مجال الآثار، إلى جانب مسارح، فنادق، مدرسة للفنون، حيّ بيزنطي أعيد تشييده، وساحة للاحتفالات الدينية.
وتم زرع أكثر من 40 ألف شجرة، إضافة إلى نظام هندسي لإبراز نهر قديم جُعل مرئيًّا فوق سطح الأرض.
أما العنصر الأبرز في المشروع، فهو متحف "القرم ونوفوروسيا"، الذي يروّج لرؤية تاريخية تعتبر أن جنوب أوكرانيا الحالي كان دومًا جزءًا من "روسيا الكبرى"، في إشارة إلى المشروع الإمبراطوري الروسي.
ويُعرض في هذا المتحف رواية ثقافية وسياسية تُمجّد الإمبراطورة كاترين الثانية ومراحل توسع الإمبراطورية الروسية.
وأكد تقرير الصحيفة الفرنسية أن المشروع، الذي وصفه محللون بأنه أداة "لأسطرة التاريخ" وتكريس الأيديولوجية البوتينية، واجه انتقادات من بعض المؤرخين وعلماء الآثار الذين حذروا من طمس المعالم الحقيقية للموقع الأثري لحساب سردية سياسية معاصرة.
ومع ذلك، فإن "خيرسونيس الجديدة" تشهد إقبالًا جماهيريًّا واسعًا، وتُعد اليوم من أبرز رموز دمج الدين بالتاريخ والسياسة في روسيا الحديثة.