ذهب خبراء وساسة فرنسيون إلى أن اعتزام الرئيس إيمانويل ماكرون الاعتراف بدولة فلسطين في يونيو/ حزيران المقبل، يصطدم بـ"اللوبي" و"اليمين المتطرف" في فرنسا بعد التقارب الذي حدث بينهما مؤخرا.
وأوضحوا في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن "اللوبي الصهيوني" في فرنسا هو الثاني على مستوى العالم بعد نظيره الأمريكي، ويتحكم في الكثير من مفاصل الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، فضلا عن امتلاك نفوذ إعلامي واسع.
أما "اليمين المتطرف" المتمثل في حزب "التجمع الوطني"، فسيستغل بحسب الخبراء مساعي الرئيس الفرنسي بشكل كبير لصالح أزمته السياسية الحالية المتعلقة بفضيحة اختلاس زعيمته مارين لوبان، والحكم الصادر بعدم ترشحها للانتخابات، في ظل علاقتها بإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي تساندها، وستعمل على انعكاس ذلك بالسلب داخليا على ماكرون.
وكان ماكرون قد أعلن أن بلاده قد تعترف بالدولة الفلسطينية في يونيو المقبل، مؤكدا أنه لن يفعل ذلك لإرضاء هذا الشخص أو ذاك، بل لأنه سيكون عادلا.
وبالمقابل علق وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، في أول رد رسمي من تل أبيب على إعلان الرئيس الفرنسي بالقول، إن هذا لن يؤدي فقط إلى تقريب السلام والأمن والاستقرار في منطقتنا، بل على العكس سيدفعها بعيدا.
خطوة تواجهها محاذير
وتقول السياسية الفرنسية وعضو مجلس مدينة فرساي، الدكتورة جيهان جادو، إن اعتزام ماكرون الاعتراف بالدولة الفلسطينية خطوة جيدة يواجهها محاذير ومعايير تذهب إلى عراقيل مباشرة لاسيما أن حدوث ذلك سيكون بداية مفصلية لاعتراف العديد من الدول بفلسطين.
وأوضحت جادو في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن فرنسا ظلت لعقود تتباطأ في هذا الاعتراف الذي عندما يكون من دولة قوية بالاتحاد الأوروبي مثلها وصاحبة واحدة من العضويات الخمس الدائمة بمجلس الأمن، يدفع دولا أوروبية عدة للسير على هذا النهج، ويحرك مياها راكدة تتعلق بالمعاناة الفلسطينية.
وتعتقد جادو أن من أبرز العراقيل التي ستواجه مساعي ماكرون للاعتراف المنتظر بالدولة الفلسطينية، تعاون "اللوبي" واليمين المتطرف في فرنسا، بعد تماس بينهما استمر لعقود وتحوّل إلى تقارب مؤخرا.
وبينت جادو "أن اللوبي الفرنسي هو الثاني على مستوى العالم بعد نظيره في الولايات المتحدة، ويتحكم في كثير من مفاصل الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، فضلا عن امتلاك نفوذ إعلامي واسع، بالإضافة إلى ما سيمثله في أوروبا بشكل عام من ضغط في اتجاهات عدة لعدم الوصول إلى هذا الاعتراف الذي سيكون مكسبا كبيرا للفلسطينيين".
تحالف اليمين مع ترامب
وأشارت إلى أن اليمين المتطرف في فرنسا، سيستغل هذا الأمر بشكل كبير لصالح أزمته السياسية الحالية المتعلقة بفضيحة اختلاس زعيمته مارين لوبان والحكم الصادر بعدم ترشحها بالانتخابات، في ظل علاقتها بالإدارة الأمريكية التي تساندها، وستعمل على إمكانية انعكاس ذلك بالسلب داخليا على ماكرون.
ولفتت إلى أنه على الرغم من وجود تشابك تاريخي بين إسرائيل و"اليمين المتطرف" في فرنسا، بيد أن تعاون الأخير مع "اللوبي" سيمثل أحد العراقيل والضغط السياسي الداخلي على ماكرون لعدة اعتبارات، منها وجود نوع من التقارب بين هذا التيار وتل أبيب في ظل إقامة علاقات رسمية مؤخرا بين إسرائيل واليمين الفرنسي الممثل في "التجمع الوطني" الذي تقوده لوبان، بالإضافة إلى أن إدارة ترامب ستستخدمها في هذا الضغط لمنع هذا الاعتراف في ظل الدعم القائم في الأساس من جانب إدارة الرئيس الجمهوري لليمين المتطرف في فرنسا.
ظروف ملائمة
ومن باريس، يؤكد أستاذ القانون الدولي، الدكتور مجيد بودن، أن اعتراف فرنسا المنتظر بدولة فلسطين، هو قرار يتخذه رئيس الجمهورية كرئيس للسلطة التنفيذية، ويكون نافذا من وقتها، ومن ثم لا توجد عراقيل قانونية أمام ماكرون بالاعتراف بالدولة الفلسطينية.
وأضاف بودن في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن القرار لا يحتاج سوى لظروف سياسية ملائمة لكي يكون هناك اعتراف من باريس بالدولة الفلسطينية، وهذا الإجراء من جانب دولة كبرى مثل فرنسا، سيمكّن فلسطين في مرحلة من المراحل من أن تكون عضوا في الأمم المتحدة، وتكون لها سيادة، ويتراكم بالمستقبل القريب اعتراف كثير من الدول الأوروبية، وبالتالي تجلس فلسطين كدولة تتفاوض على حقوقها مع إسرائيل.
وذكر بودن أن فرنسا تعتبر الآن أن القانون الدولي لم يطبق على فلسطين؛ لأنها لم تجد الحماية من المنظومة الدولية، ولم يطبق على إسرائيل لانتهاكها القانون الإنساني في ظل اللامبالاة من جانب تل أبيب أمام أي مساءلة أو محاسبة، ومن هنا لا تريد باريس أن تكون في صف عدم تطبيق القانون الدولي، ومن هذا المنطلق تعمل على أخذ هذه الخطوة بعد شهرين من الآن.
وبحسب بودن فإن أبرز العراقيل التي ستواجه نية ماكرون بالاعتراف بدولة فلسطينية، ما سيتراكم من ضغوط وضحت بدايتها من تعليق بنيامين نتنياهو بأنه لا يريد أن يكون لفلسطين دولة، ولا أن يكون لهذا الشعب أرض وسيادة، وهو ما ستدعمه فيه أوساط دولية في صدارتها إدارة ترامب.
ويؤكد بودن أن من الأوراق التي من الممكن أن تعمل عليها إدارة ماكرون للوصول إلى هذه الخطوة بعد شهرين، التنسيق مع دول عربية في الذهاب إلى اعتراف متبادل، بأن تعترف كتلة دول عربية بإسرائيل مقابل اعتراف دول أوروبية بفلسطين، في ظل ما توضحه باريس من أن الهدف الأساسي من اعترافها المنتظر، هو انسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهذا جانب من خطة السلام المتعلق بـ"حل الدولتين"، لاسيما أن اعتراف فرنسا سيجعل "حل الدولتين" خطة أوروبية في المستقبل القريب.