رئيس الموساد يعتبر أن على إسرائيل "ضمان" عدم استئناف إيران لبرنامجها النووي
قالت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية إنه مع انتهاء الحرب وعودة عشرات الرهائن الإسرائيليين إلى ديارهم بعد عامين من الأسر، يجد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو نفسه أمام معركة جديدة ليست في الميدان، بل في ساحة السرد والتاريخ السياسي.
وأوضحت أنه بينما يحتفي الإسرائيليون بعودة أبنائهم وبداية مرحلة تهدئة طال انتظارها، يستعد نتنياهو لعرض روايته الخاصة في جلسة الكنيست الاحتفالية بحضور الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في محاولة لإقناع الداخل والخارج بأنه كان صامدًا، وشجاعًا، وصاحب القرار الأخير في إنهاء الحرب.
ولفتت الصحيفة إلى أنه خلف هذه الصورة التي يسعى لتثبيتها، تتكشف حقائق مغايرة عن ضغوط أمريكية كثيفة، وقيادة إسرائيلية مأزومة، وانقسام داخلي عميق يهدد بقاء الائتلاف الحاكم.
سيكون اليوم الاثنين، يومًا رمزيًّا في السياسة الإسرائيلية؛ فبينما تُعاد عشرون رهينة إلى إسرائيل بعد 737 يومًا من الاحتجاز في غزة، سيحاول نتنياهو تحويل مشهد النهاية إلى نقطة انطلاق انتخابية.
من المتوقع أن يُقدم نفسه في الكنيست بوصفه "الزعيم الذي صمد أمام كل الضغوط"، رغم أن ما حدث فعليًّا، كما تشير مصادر في واشنطن وتل أبيب للصحيفة، هو أن الضغوط الأمريكية هي التي فرضت عليه القبول بالاتفاق.
وبحسب تقارير لصحيفة "واشنطن بوست"، فقد مارس ترامب ضغوطًا مباشرة على نتنياهو، مهددًا بقطع الدعم العسكري والدبلوماسي في الأمم المتحدة إن رفض الخطة الأمريكية ذات العشرين بندًا، والتي تضمنت وقف إطلاق النار وإطلاق الرهائن وبدء الترتيبات السياسية لما بعد الحرب في غزة.
ورغم أن الحرب انتهت، فإن صراع الرواية بدأ؛ فنتنياهو يحاول إعادة صياغة الأحداث ليتحول من "المتردد والمُعطِّل" إلى "المنقذ"، مستفيدًا من لحظة الارتياح الشعبي بعد عامين من النزيف العسكري والسياسي.
وأشارت الصحيفة العبرية أن الشارع الإسرائيلي لم ينسَ أن نتنياهو نفسه كان سببًا في إطالة أمد الحرب وعرقلة أي صفقة تبادل على مدار العامين الماضيين؛ فقد كان خاضعًا لضغوط جناحه اليميني المتطرف داخل الائتلاف، ولا سيما من إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، اللذين اعتبرا أن "استمرار الحرب أهم من حياة الرهائن".
كما أنه رغم تهديداتهما المتكررة بالانسحاب، لم يغادرا الحكومة في النهاية، ما كشف أن كل الحديث عن "انهيار الائتلاف" لم يكن سوى مسرحية سياسية لتبرير التردد.
في المقابل، استعادت حركة حماس جزءًا من قدرتها التنظيمية، فيما بدأت السلطة الفلسطينية التحضير للمشاركة في إدارة غزة ضمن ترتيبات "اليوم التالي"، الأمر الذي يعني أن نتنياهو خسر كل أهداف الحرب تقريبًا؛ حيث لم يتم القضاء على حماس، ولم يتم ضم الضفة الغربية، ولم تتحقق أي خطة لإعادة توطين في غزة.
وبينما كانت أصوات عائلات الرهائن تُطالب بإنهاء الحرب في الساحات العامة، انشغلت حكومة نتنياهو بـ"حرب الروايات"، متهمةً المعارضين بـ"الخيانة" و"الانحياز لحماس".
ومع ذلك، لم تصمد تلك الدعاية أمام انفجار الغضب الشعبي في تل أبيب بعد أن هتف المتظاهرون ضد رئيس الوزراء أثناء شكر مبعوث ترامب له، في مشهدٍ عكس الشرخ العميق بين القيادة والجمهور.
رغم كل ما سيُقال في الكنيست عن "القرار الإسرائيلي المستقل"، فإنّ الحقيقة الواضحة هي أن ترامب هو من فرض نهاية الحرب؛ فبعد الغارة الإسرائيلية الفاشلة على قيادات حماس في الدوحة، قرر البيت الأبيض التدخل الحاسم، مستفيدًا من حالة الإنهاك السياسي والعسكري داخل إسرائيل.
ومنذ ذلك الحين، لم يكن أمام نتنياهو سوى الامتثال. وحتى المعلقون الإسرائيليون الذين وصفوا في السابق أي تفاهم مع حماس بأنه "استسلام"، باتوا اليوم يثنون على الاتفاق نفسه حين جاء برعاية ترامب.
وهكذا تحولت الازدواجية السياسية إلى نفاق معلن: فحين تأتي الخطة من الأوروبيين تُرفض بشراسة، أما حين يطرحها ترامب، تُقدَّم كـ"انتصار دبلوماسي" و"خطة إنقاذ وطنية".
من المتوقع أن يمدح ترامب نتنياهو في خطابه أمام الكنيست، مقابل أن يرد الأخير بالثناء على "الدور القيادي” للرئيس الأمريكي في إحلال السلام؛ حيث إنها صفقة رمزية متبادلة: "امدحني أمام شعبي، وأمدحك أمام العالم" لكن جوهرها الحقيقي هو أن إسرائيل رضخت للواقع الدولي والإقليمي الجديد، وأن قرار إنهاء الحرب لم يُتخذ في القدس بل في واشنطن.
معركة على الذاكرة
انتهت الحرب، لكن الذاكرة السياسية ما زالت تنزف. فالمجتمع الإسرائيلي يقف اليوم أمام اختبار الوعي الجماعي: هل يتبنى رواية نتنياهو عن "الصمود والبطولة"، أو يدرك أن ما حدث كان فشلًا سياسيًّا مدويًا كلف البلاد آلاف القتلى والرهائن، وترك إسرائيل أكثر عزلة وضعفًا؟
في نهاية المطاف، قد تنجح آلة نتنياهو الإعلامية في إعادة رسم صورة الزعيم المنتصر، لكنها لن تمحو حقيقة أن "الانتصار" تحقق فقط عندما أجبره ترامب على إنهاء حرب لم يكن يريد أن تنتهي.
ومهما تغيّرت الخطابات، ستبقى الحقيقة واضحة في الوعي الإسرائيلي: من أنهى الحرب لم يكن نتنياهو، بل الضغط الأمريكي، وصوت الشارع، وعائلات الرهائن التي كسرت جدار الصمت.