logo
العالم

"الخنق الهادئ".. استراتيجية ترامب الجديدة لـ"إخضاع" طهران بلا مواجهة

الرئيس الأمريكي دونالد ترامبالمصدر: أ ف ب

أرجع خبراء في العلاقات الدولية تفضيل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خيار "إدارة الصراع" مع إيران بدلاً من تفجيره عسكرياً، إلى تبنيه استراتيجية "الضغط الأقصى" كبديل فعال للمواجهة المباشرة.

ويرى الخبراء في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن ترامب، المدفوع بعقلية "رجل الأعمال"، يراهن على المفعول القوي للعقوبات الاقتصادية لإجبار طهران على الجلوس إلى طاولة المفاوضات وإبرام صفقات جديدة. 

وتأتي هذه الرؤية انطلاقاً من قناعة ترامب بأن الانزلاق نحو عملية عسكرية سيكبّد إدارته أثماناً باهظة وانعكاسات سلبية، سواء على مستوى الجبهة الداخلية أو في سياق التوازنات الدولية؛ وهو ما يسعى لتجنبه عبر استبدال القوة العسكرية بـ"القوة الناعمة الخشنة" للاقتصاد.

أخبار ذات علاقة

إيران تحت المجهر.. هل يحدد لقاء ترامب ونتنياهو موعد الضربة القادمة؟

لقاء "الثنائي الأخطر".. هل يحسم ترامب ونتنياهو "ساعة الصفر" لضرب إيران؟

سياسة الصفقة

وبين الخبراء، أن ترامب يهدف من سياسة "الصفقة" بعد ضغط العقوبات، إلى الوصول إلى معادلة مع طهران، تذهب بالشركات الأمريكية الكبرى إلى الاستثمار في عدة مجالات هناك، في صدارتها النفط، في وقت تعتبر فيه إيران، إحدى أهم الأسواق في العالم.

يأتي ذلك في وقت قالت فيه مصادر إسرائيلية وأمريكية، إن إيران ستكون القضية المحورية في لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وسط توقعات بأن تقدم تل أبيب خلال الاجتماع تقييما استخباراتيا حول وتيرة تعافي إيران. 

وأفادت مصادر في تقارير غربية، بأن إسرائيل تسعى إلى الحصول على موقف أمريكي واضح مفاده أن النظام الإيراني الحالي سيواصل، ما دام في السلطة، دعم ميليشيات مسلحة في المنطقة وتأجيج الصراعات؛ ما يعرقل الرؤية الأمريكية الأوسع للشرق الأوسط.

وبحسب تقارير غربية، ووفقا لدائرة ترامب المقربة، فهو حاليا أقل ميلا لإطلاق حرب جديدة على إيران، لاعتقاده بأن برنامجها النووي قد ضعف بشكل كبير بعد حرب الـ12 يوما.

الأهمية الاستراتيجية

ويرى الباحث في العلاقات الدولية، الدكتور محمد أبو العينين، أن إيران تمثل مدخلا في غاية الأهمية لقوى كبرى في صدارتها الصين وروسيا، ولها أهمية استراتيجية في مضيق هرمز الذي تمر به كثير من ناقلات النفط وحركة التجارة العالمية، فضلا عن أنها بلد ذو ثقل سكاني، ولهذه الأسباب وجد ترامب أن التعامل معها على طريقة معركة الـ12 يوما، لن يكون مفيدا.

ويعتقد أبو العينين في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن خلاف طهران وواشنطن ليس على أمور بسيطة متعلقة بالبرنامج النووي الإيراني، جاءت على أثرها حرب على مدار 12 يوما، ولكن نقاط التباين أكثر عمقا وليست محدودة كما يصور البعض.

وأشار أبو العنيين، إلى أن إيران تجمعها سياسات وتحالف مع الصين وروسيا، وهو ما انعكس في البيان الثلاثي عقب تفعيل آلية الزناد التي بمقتضاها أعادت أوروبا العقوبات الاقتصادية على طهران، فضلا عن إدراك ترامب أن الأخيرة لها عناصر حضور أخرى من بينها ما ظهر بحسب آخر التقارير التي أوضحت أن القدرة الإيرانية في مجال الهجمات السيبرانية، لا يستهان بها، والتي طالت إسرائيل مؤخرا.

أخبار ذات علاقة

وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي

"لا تخدعوا العالم".. رسالة هجومية من إيران إلى واشنطن

تكاليف باهظة

وأوضح أبو العينين أن ترامب يدرك أن الولايات المتحدة باتت أمبراطورية منهكة وغير قادرة على القيام بدور، ولن يكون بوسعها دفع تكاليفه أو تحمل أعباءه، ولا تريد الدخول في مواجهة مع دول كبرى محيطة بإيران في إشارة إلى روسيا والصين، وتمد طهران عسكريا بشكل مباشر بعد حرب الـ12 يوما.

وفسر ذلك بالقول إن سقوط إيران بالشكل الذي تستهدفه واشنطن وتل أبيب، يهدد مصالح موسكو وبكين وبالطبع لن يكون هناك سماح بذلك، نظرا لارتباط هذا السياق بمناطق نفوذ أخرى متعددة للصين وروسيا.

واستكمل أبو العينين أن في إدارة ترامب الأولى خلال منتصف عام 2018، أكد البنتاغون في تقرير له أن أي مواجهة عسكرية مع إيران ستكون تكاليفها باهظة وكذلك لن يكون من السهل حسمها، بل ستؤدي إلى ضعف الإدارة الحاضرة بالبيت الأبيض والمزيد من التأكل للنفوذ الأمريكي.

رجل الصفقات

وفي هذا السياق، يرى الخبير في الشأن الأمريكي، أحمد ياسين، أن ترامب يغلب شخصية رجل الأعمال في تعامله مع الملفات الدولية؛ إذ يسعى لإبرام صفقات براغماتية بدلاً من التورط في حروب ذات أبعاد استنزافية. وتتجلى هذه الرؤية بوضوح في إدارته للصراع مع طهران عبر سياسة "الضغط الأقصى".

وأشار ياسين إلى قناعة لدى ترامب بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورّطه سابقاً في صراعات غير مجدية؛ ما عزز توجهه الحالي نحو استبدال العمليات العسكرية الطويلة والمعقدة بـاستراتيجية التلويح بالقوة وفرض العقوبات الصارمة، وهي الأدوات التي يراها ترامب أكثر فاعلية وأقل كلفة في تحقيق مكاسب سياسية دون تكبد خسائر ميدانية.

وأكد ياسين في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن شن حرب قاصمة من واشنطن وتل أبيب على طهران، لن يغير المعادلة في إيران بقدر أنها ستفتح أبوابها الاستراتيجية والاقتصادية لكل من روسيا والصين، وهو ما سيعتبر نكسة وسياسة فاشلة تلحق أضرارا بالولايات المتحدة والإدارة الأمريكية، في حين أن ترامب يعمل على إبرام صفقة تمنع ذهاب إيران إلى الصين أو تواجد الأخيرة هناك، وفي الوقت نفسه، يطمح في حضور الشركات الأمريكية إلى استثمارات تتعلق بالنفط بالمقام الأول هناك، مع الوضع في الاعتبار أن إيران من أهم الأسواق في العالم.

أخبار ذات علاقة

الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان

صراع الأجنحة.. صقور إيران يُفشلون "قناة اتصال سرية" بين بزشكيان وترامب

تجنب الانتقام

وبين ياسين، أن المشهد الداخلي الأمريكي يمثل حجر الزاوية في تفسير هدوء ترامب؛ حيث يسود رفض واسع داخل الدوائر السياسية للتورط في نزاعات عسكرية جديدة. هذا التوجه يعززه اقتراب موعد انتخابات التجديد النصفي للكونغرس (نوفمبر/ تشرين الثاني 2026)، والتي تضع الحزب الجمهوري أمام تحديات مصيرية في ظل انقسامات داخلية حادة.

ويرى أن أي مغامرة عسكرية غير محسومة قد تمنح الديمقراطيين الأغلبية البرلمانية، وهو ما يخشاه الرئيس الجمهوري لتجنب فتح مسلسل الانتقام والملاحقات السياسية ضده؛ لذا يظل الرهان الحالي هو الحفاظ على تماسك الجبهة الداخلية وضمان الهيمنة على الكونغرس، كدرع حماية لمستقبل إدارته السياسي.

واستكمل ياسين أن ترامب يتمسك بتقديم نفسه رجل السلام كما وعد انتخابيا، ولذلك يتعامل باستراتيجية مع الإيرانيين بفرض الحد الأقصى للعقوبات وصدور قرارات متلاحقة بها من فترة إلى أخرى؛ ما يجعل النظام في طهران يسعى إلى حل تفاوضي في ظل الضغوط الكبيرة عليه من الشارع سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC