logo
العالم

"شبح الجواسيس".. هل يعيد حادث النمسا فتح ملف الحرب الباردة؟

الشرطة النمساويةالمصدر: (أ ف ب)

من فيينا، العاصمة الأوروبية التي ارتبط اسمها لعقود بملفات سرية وعمليات ظل، تعود إلى الواجهة واقعة إقالة موظف بارز في شركة "أو.إم.في" النمساوية للنفط والغاز بتهمة تمرير معلومات إلى روسيا، في مشهد يفتح الباب أمام استدعاء أجواء الحرب الباردة حيث كانت العواصم الأوروبية مسرحًا خفيًا لصراع أجهزة المخابرات. 

ومع احتدام المواجهة بين موسكو والغرب على خلفية حرب أوكرانيا، تبدو الحادثة أقرب إلى حلقة جديدة في صراع طويل يأخذ، اليوم، أشكالًا أكثر تعقيدًا وخطورة مما كان عليه قبل عقود.

وكانت تقارير إعلامية، أبرزها من مجلة "بروفيل" ووكالة "رويترز"، أن مجموعة "أو.إم.في" النمساوية، أنهت، بشكل فوري، عقد أحد موظفيها الكبار بعد الاشتباه بتورطه في تسريب معلومات حساسة لصالح روسيا. 

أخبار ذات علاقة

أفراد من الشرطة البريطانية

بريطانيا: توقيف ثلاثة أشخاص بشبهة التجسس لصالح روسيا

واستدعت الخارجية النمساوية دبلوماسيًا روسيًا على خلفية هذه المزاعم، وفي الوقت نفسه التزمت موسكو الصمت ولم تُصدر تعليقًا رسميًا. 

واللافت أن القضية تزامنت مع حوادث مشابهة في أوروبا، بينها اعتقال شبكة تجسس روسية في بريطانيا وبلجيكا، وهو ما يعكس نمط متصاعد أكثر من كونه صدفة.

فبين عامي 1947 و1991، كانت أجهزة الاستخبارات السوفيتية والغربية تتسابق لاختراق مؤسسات بعضها البعض، من "خماسية كامبريدج" في بريطانيا، إلى شبكات الجواسيس الذريين في الولايات المتحدة كان جمع الأسرار جزءً من لعبة صفرية بين معسكرين متنافري، حينها لم يكن التجسس مجرد أداة بل سلاحًا يوازي قيمة السلاح النووي نفسه.

ووفقاً للمؤشرات، فإن "عصر التجسس" عاد بالفعل كأداة رئيسة في التنافس بين روسيا والغرب، لكن في ثوب جديد أكثر تعقيدًا وتداخلًا، خاصة أن حادثة النمسا ليست حالة فردية، بل حلقة في سلسلة تؤكد أن الصراع لم يعد يقتصر على جبهات القتال أو العقوبات الاقتصادية.

وأكد الخبراء في الشؤون الروسية، من الضروري التمييز بين مفهوم "الجاسوس" و"العميل" و"حامل الأسرار"، موضحين أن ما جرى في النمسا لا يرقى إلى مستوى التجسس الكلاسيكي بقدر ما يدخل في إطار العمالة، خاصة مع سجل فيينا في التعامل المرن مع موسكو خلال الأعوام الماضية. 

وفي هذا السياق، قال رامي القليوبي، أستاذ الاستشراق بالمدرسة العليا للاقتصاد في موسكو، إنه من المهم أولًا التمييز بين 3 مفاهيم مختلفة تمامًا عند الحديث عن عالم الاستخبارات، وهي: "الجاسوس" و"العميل" و"حامل الأسرار". 

وأشار القليوبي في حديث لـ"إرم نيوز" إلى أن الجاسوس هو شخص يتعامل سرًا لصالح دولة أخرى، بينما العميل هو موظف تتم استمالته للعمل لصالح جهة أجنبية، أما حامل الأسرار فهو من ينقل معلومات حساسة.

وأشار إلى أن الموظف النمساوي الذي جرى الحديث عنه لا يمكن اعتباره نظريًا جاسوسًا لدولة أخرى، بل أقرب إلى كونه عميلًا، مشيراً إلى أن أن القانون الروسي عادة ما يوجه تهم التجسس للأجانب، في حين يوجَّه للمواطنين الروس تهماً تتعلق بالخيانة أو العمالة.

وأضاف أن الحديث عن العمالة يبقى واردًا، خاصة أن النمسا، حتى نهاية العام الماضي، كانت ربما أقوى لوبي روسي داخل الاتحاد الأوروبي، حيث استمرت في شراء الغاز الروسي، كما أن مصرف "رايفايزن" ظل يعمل في روسيا رغم تعقيدات العقوبات الغربية.

وأشار إلى أنه لا يُستبعد أن تكون موسكو قد استمالت أو حتى أغرت موظفين نمساويين للترويج لمصالحها، ومحاولة إبعاد فيينا عن الصف الأوروبي الموحد تجاه أوكرانيا.

وشدد القليوبي على أن الوضع الحالي لا يمكن مقارنته بأيام الحرب الباردة التي كانت حربًا أيديولوجية بين الكتلتين الاشتراكية والرأسمالية، مشيرًا إلى أننا، اليوم، أمام عمليات استخباراتية تكتيكية تهدف بالأساس إلى تحقيق مصالح اقتصادية وجيوسياسية.

إلى ذلك، قال مدير مركز "جي إس إم" للأبحاث والدراسات في روسيا الدكتور آصف ملحم، إن عملاء الاستخبارات نشطون في جميع أنحاء العالم، سواء كانوا روسًا يعملون داخل الدول الخصمة، أو غربيين داخل روسيا، وأن هذا النشاط لم يتوقف، بل إن العملاء يقومون بمهام متعددة، أبرزها جمع المعلومات، ومحاولة استقطاب المسؤولين وقادة الرأي.

وأضاف ملحم في حديث لـ"إرم نيوز" أن حرب التجسس بين روسيا والدول الغربية ليست جديدة، بل مستمرة منذ زمن بعيد، وتتصاعد تبعًا للحالة السياسية بين الطرفين. 

وأشار إلى أن العديد من المسؤولين الأوروبيين يعترفون أحيانًا بوجود عملاء روس في بلدانهم، يؤثرون في مجريات الإعلام والصفقات التجارية، ويجمعون معلومات حساسة عن الصناعات العسكرية والقطاعات الاقتصادية.

وأضاف الخبير في الشؤون الروسية، أن موسكو تعد واحدة من أقوى الدول استخباراتيًا، وتملك منظومة راسخة وفعالة. 

وقال: "لو لم تكن هذه المنظومة قوية، لرأينا انهيارات في بنية الدولة الروسية. فروسيا تعيش حالة حرب حاليًا، ولو أن عملاءها لم يقوموا بدورهم داخل البلاد وخارجها، أو فشلت في مكافحة التجسس ضدها، لشهدنا انشقاقات على مستوى القيادة".

وأشار ملحم إلى أن التوترات بين روسيا والغرب مستمرة، وأن نشاط العملاء يجري أحيانًا تحت غطاء مجالات ثقافية أو تجارية أو عبر قطاع الطاقة، حيث يُجنَّد العملاء كموظفين عاديين بينما تكون مهمتهم الأساسية جمع المعلومات لاستخدامها، لاحقًا، في التأثير على سياسات الدول.

وأضاف أن حرب التجسس تُعد إحدى أدوات "الحرب الباردة الحديثة"، لكونها أقل تكلفة من الحروب العسكرية لكنها لا تقل عنها تأثيرًا،مضيفًا أن الولايات المتحدة أيضًا نشطة في هذا المجال، ولها عملاء منتشرون حول العالم يجمعون أسرارًا، ويحركون ملفات تخدم السياسات الأمريكية.

وحول ما إذا كانت هذه الحملات الاستخباراتية موجهة للنيل من روسيا تحديدًا، نفى ملحم ذلك، مؤكدًا أنها جزء من حرب تجسس مستمرة بين موسكو والغرب.

وأوضح أن دول أوروبا الشرقية، التي كانت ضمن المعسكر الاشتراكي سابقًا، ما زالت هدفًا سهلًا للاختراق بحكم خبرة روسيا الطويلة في التعامل معها.

وضرب مثالًا على ذلك بحالة شخص - لم يُكشف عن اسمه - كان يعمل في شركة "OMV" النمساوية، إحدى كبرى شركات النفط والغاز في أوروبا، وعمل، سابقًا، في شركة أخرى، ويُشتبه في أن موسكو جندته لجمع معلومات حساسة تتعلق بقطاع الطاقة والنفط والغاز، وهو قطاع إستراتيجي يدر على روسيا كميات ضخمة من العملة الصعبة.

أخبار ذات علاقة

مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي كاش باتيل

تتقدمها 4 دول.. واشنطن تصعد اعتقالاتها المرتبطة بمكافحة التجسس

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC