استغلت كوريا الشمالية تصاعد صراعات القوى الكبرى لتكريس موقعها كقوة نووية، عبر شراكات انتقائية مع روسيا والصين، بينما تتجه واشنطن وسيول تدريجيًّا من هدف نزع السلاح إلى إدارة مخاطره.
وبحسب "منتدى شرق آسيا"، فإن عملية نقل الأسلحة من كوريا الشمالية إلى روسيا ليست مجرد تجارة عسكرية، بل خطوة إستراتيجية تعمق العلاقات الدفاعية بين بيونغ يانغ وموسكو، وتفتح آفاقًا اقتصادية حيوية، من التموين والطاقة إلى دعم المشاريع العسكرية الروسية وسط تحديات الحرب في أوكرانيا، وفي الوقت ذاته، تعكس هذه التحركات براعة كوريا الشمالية في استغلال التوترات الدولية لتعزيز نفوذها دون الانكفاء التام على الحلفاء التقليديين.
في صعيد آخر، أسهمت عملية إعادة ضبط العلاقات بيونغ يانغ مع بكين في تحقيق استقرار نسبي؛ إذ عادت القنوات الدبلوماسية بين البلدين للعمل بشكل أكثر انتظامًا، مع الحفاظ على الخلافات الجوهرية بشأن نزع السلاح النووي.
ويبقى السؤال المحوري حول ما إذا كان كيم سيعيد اعتماد تكتيك كوريا الشمالية المتمثل في اللعب على التنافس بين روسيا والصين، أم سيحاول توحيدهما كمعادل للثلاثي الأمريكي-الياباني-الكوري الجنوبي؛ فحتى الآن، يبدو أن كيم يسعى لتعزيز العلاقات مع كلتا القوتين، معتبراً الصين وسيلة تحوّط أمام أي حالة من عدم اليقين تجاه روسيا، واستعداداً لاحتمال استئناف الحوار مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
لكن أي شراكة ثلاثية تبقى محدودة بسبب انعدام الثقة المتبادلة وتباين المصالح، وفي حين لا تزال الصين متحفظة بشأن قبول كوريا الشمالية قوة نووية، فإنها لم تصدر إدانة مباشرة، وهو ما يشير إلى أنها قد ترى نزع السلاح النووي هدفاً بعيد المنال، كما أنها تتعامل مع الواقع الجديد بصبر حذر، مدفوعة بحساباتها الاقتصادية العالمية وسعيها للحفاظ على توازنات إقليمية مستقرة.
ويرى محللون أن هذا "المثلث الإستراتيجي" قائم على المصالح المتبادلة، لكنه هش بطبيعته؛ خصوصًا أن انعدام الثقة المتبادل بين الأطراف الثلاثة وغياب توافق حول قواعد اللعبة النووية يجعلان من أي تحرك مفاجئ له انعكاسات واسعة على الأمن الإقليمي.
أمَّا بالنسبة لواشنطن، فإن إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن انفتاحه على استئناف القمم مع كوريا الشمالية، يعني تقلُّص خيارات واشنطن ويفتح بابًا للدبلوماسية، بينما تتبنى سيول إستراتيجية تجميد برنامجها النووي بدلًا من السعي لنزع كامل؛ ما يزيد احتمالات اتفاق للحد من التسلح النووي، ولذلك فإن كيم سيعتبر أي تقدم في هذا الاتجاه خطوة نحو تعزيز الوضع النووي لكوريا الشمالية؛ ما قد يزيد بدوره تعقيد أي مناورة دبلوماسية مستقبلية.