رأى خبراء سياسيون فرنسيون أن تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن إرسال غواصتين نوويتين في مناطق قريبة من روسيا، تعكس استراتيجية ردع أمريكية في إطار تصاعد التوترات مع روسيا.
وأشار الخبراء إلى أن هذه الاستراتيجية هدفها الرسمي رفع الضغط وتحذير موسكو من عواقب تجاوز الخطوط الحمراء، كما اعتبروا أنها مناورة دفاعية أكثر من كونها نية فعلية للتصعيد، تندرج داخل منطق الردع الرمزي الحديث.
وكان الرئيس الأمريكي أعلن عن هذه الخطوة أمس الجمعة، ردا على "تصريحات استفزازية للغاية"، وفق تعبيره، من قبل دميتري ميدفيديف، الرئيس الروسي السابق، بينما يحاول دون جدوى حتى الآن، إقناع فلاديمير بوتين باللجوء إلى طاولة التفاوض حول أوكرانيا.
وقد وصف ترامب ميدفيديف بأنه "رئيس روسي فاشل يظن نفسه لا يزال في السلطة".
فيما دعا ميدفيديف عبر تليغرام ترامب لمشاهدة مسلسل The Walking Dead ليقرأ فيه ما يمكن أن يحدث في حال تصادم مع روسيا، ملمحًا إلى "اليد الميتة"، نظام الرد النووي التلقائي السوفيتي.
ورأت صحيفة "لوموند" الفرنسية أن ترامب وجه رسالة تحذيرية واضحة إلى روسيا مفادها بأن الولايات المتحدة ترد عمليًا على التصريحات النارية من ضباط روس سابقين، باستخدام ما يُعرف بـ"نظرية المجنون" (Madman Theory)، وذلك من خلال إرسال غواصتين نوويتين كخطوة رمزية لردع موسكو من أي تصعيد نووي غير محسوب.
وأشارت الصحيفة الفرنسية إلى أن هذه الخطوة ينظر إليها في مجمع الشؤون الأمنية والتحليل العسكري كجزء من الردع الاستراتيجي أكثر منها تصعيدًا عسكريًا فعليًا.
وأوضحت أن معظم التحليلات رأت أن ترامب يستخدم هذه التحركات كـ"تأشير استراتيجي، وليس إدخالا مباشرا لقوة قتالية في مناطق التوتر".
ولم يحدد ترامب نوع الغواصتين بالضبط، لكن من المرجّح أن تكونا نوويتين مسيّرتين بالرصاص (SSBN) تحملان صواريخ عابرة محتملة للعالم، جزءًا من الثالوث النووي الأمريكي.
وهاتان الغواصتان مجهزتان بالقدرة على الإطلاق بعيد المدى والاختفاء عن الرصد لفترات طويلة، بحسب صحيفة "لوموند" الفرنسية.
وتمتلك روسيا مجموعة متقدمة تشمل الأقمار الصناعية البحرية، شبكة غواصات صيدية، وأنظمة صوتية متطورة تحت الماء (مثل Sound surveillance system) ترصد الضوضاء الباطنية.
كما يستعمل الجانب الروسي غواصات هجومية (SSN) وأنظمة التعقب السيبراني لرصد أي دخول غير معتاد في محيطه.
في هذا السياق، قال الدكتور باسكال بونيفاس، مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية (IRIS) في باريس، إن قرار نشر غواصتين نوويتين بالقرب من دول مثل روسيا يندرج ضمن أطر الردع النووي المعاصر، حيث يتم استخدام رمزية القوة لبلورة التوازن وليس بالضرورة تصعيدًا مباشرًا.
ورأى بونيفاس، في تصريح لـ"إرم نيوز" أن ترامب يعتمد بشكل واضح على ضغط رمزي يهدف إلى فتح قنوات تفاوضية أو حجْم الخطاب الروسي المثير للصدام".
وأضاف: "من الناحية التقنية، مثل هذه التحركات لا تعد بادرة حرب، بل تحذيرا موجها بدقة"، موضحاً أن "التاريخ يعلمنا أن الردع لا يعمل إلا إذا كان قابلاً للتصديق" وفق تعبيره.
وأشار إلى أن هذه الخطوة، رغم رمزية وجودها، ترسل إشارات قوية حول الجاهزية والإرادة الأمريكية في حال تجاوز موسكو خطوطها".
بدوره، قال الدكتور برونو ترتريه، خبير في شؤون الأمن النووي ومشارك في تأسيس مشروع الشراكة العالمية، إن "الخطوة التي اتخذها ترامب تندرج في إطار ما نسميه "النظرية المجنونة"، أي إقناع العدو بأنك قد تتصرف بتهوّر مفاجئ لردع تصعيده.
لكنها نوع من السايكولوجي العسكري أكثر منها تحركات فعلية على الأرض، وفق ما صرح ترتريه لـ"إرم نيوز".
وأوضح أن "هذا النوع من الردع يعتمد على ثلاثة مكونات: القدرات النووية ذات المدى البعيد، الجدارة بالمصداقية، والإرادة الظاهرة. إرسال غواصتين مع صواريخ عابرة يعزز مزيج هذه المكونات في ذهن الخصم".
