أعلنت روسيا رسميًا تخليها عن القيود الذاتية المفروضة على نشر الصواريخ الأرضية المتوسطة والقصيرة المدى، متهمةً الولايات المتحدة وحلفاءها بمحاولة تطويقها عسكريًا وتهديد أمنها القومي.
وأصدرت وزارة الخارجية الروسية بيانًا "غاضبًا"، قالت فيه إن موسكو "التزمت طوعًا، بعد انسحاب واشنطن من معاهدة INF عام 2019، بعدم نشر هذا النوع من الصواريخ، في محاولة للحفاظ على التوازن ومنع اندلاع سباق تسلح جديد".
وقال مصدر دبلوماسي روسي رفيع المستوى، إن "موسكو وضعت منذ شهور خطة لنشر منظومات هجومية مرنة في مواقع غير تقليدية، تشمل مناطق في بيلاروسيا، والقطب الشمالي، وآسيا الوسطى، كجزء من رد استباقي على التحركات الأمريكية قرب الحدود الروسية".
وأشار المصدر في تصريحات لـ"إرم نيوز"، إلى أن "رفع القيود الروسية عن نشر الصواريخ الأرضية المتوسطة والقصيرة المدى فتح الباب أمام خيار استراتيجي استباقي لإعادة ضبط معادلة الردع، لمواجهة ما وصفه بالتمدد الصاروخي غير المنضبط لحلف شمال الأطلسي على الحدود الغربية والجنوبية لروسيا".
وأكد أن "نشر المنظومات الهجومية لا يُفهم فقط في سياق الصراع مع أوكرانيا، بل في إطار أوسع يتعلق بمحاولات تطويق روسيا من 3 جبهات في وقت واحد"، لافتًا إلى أنه من المتوقع تفعيل ما وصفه بـ"عقيدة الانتشار الدفاعي الموجَّه" خلال الأيام المقبلة.
وأوضح المصدر، أن "موسكو تتوقع ردود فعل غربية سريعة، أبرزها توسيع مظلة الدرع الصاروخي في أوروبا الشرقية، وقد تُسرّع الولايات المتحدة نشر أنظمتها الهجومية في دول مثل بولندا، ورومانيا، وفنلندا، ردًا على الموقف الروسي".
بدوره، علّق الخبير العسكري نضال زهوي على هذه الخطوة قائلًا، إن "المعاهدة التي أُبرمت أساسًا بمبادرة أمريكية عام 1987 تم تجاوزها تدريجيًا من أطراف عدة، خاصة بعد انسحاب واشنطن منها عام 2019 في عهد الرئيس دونالد ترامب".
وأضاف زهوي لـ"إرم نيوز"، أنه "رغم الانسحاب، بقيت المعاهدة فعليًا قائمة حتى اندلاع الحرب الأوكرانية، حين بدأ الغرب بتكديس الصواريخ في أوروبا، ولا سيما ألمانيا، إلى جانب تنفيذ مناورات في أستراليا".
وأوضح أن "روسيا، التي طوّرت ترسانة من الصواريخ الفرط صوتية، باتت تملك قدرة هائلة على الرد، خصوصًا بصواريخ تصل سرعتها إلى 16 ماخ (نحو 4450 مترًا في الثانية) ويصعب على أي نظام دفاعي اعتراضها، بينما لا تزال الولايات المتحدة تتفوق نسبيًا في الصواريخ الباليستية مثل توماهوك التي تُطلق من طائرات B-52".
وأشار زهوي، إلى أن "نقطة الضعف الروسية تكمن في غياب عمق الانتشار، فبعد خسارة مواقعها في أوروبا الشرقية لم تعد قادرة على نشر صواريخها إلا من عمق أراضيها، على عكس حلف الناتو الذي يطوّق روسيا من عدة جهات، ما يمنح الغرب مرونة استراتيجية ويشكل تحديًا إضافيًا للدفاعات الروسية".
ولفت إلى أن "التوتر في آسيا الوسطى يزيد المشهد تعقيدًا، إذ ترى موسكو أن مشاريع أمريكية مثل ممر زنغزور تهدد مصالحها في المنطقة، ما يفتح الباب لاحتمالات تصعيد إضافي خارج المسرح الأوروبي".
من جانبه، قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة موسكو نزار بوش، إن "جذور التصعيد الحالي تعود إلى قرار إدارة ترامب الانسحاب من معظم المعاهدات النووية مع روسيا، باستثناء INF، التي بقيت موسكو ملتزمة بها من طرف واحد حتى بدأت واشنطن بنشر قواتها وصواريخها في دول الجوار الروسي مثل بولندا، وفنلندا، ودول البلطيق، وهو ما اعتبرته موسكو تهديدًا وجوديًا".
وتابع بوش في تصريحات خاصة لـ"إرم نيوز": "ردت روسيا بإنهاء التزامها الأحادي، وبدأت بنشر صواريخ متطورة من طراز ’إريشنيك‘ و’إسكندر‘ في بيلاروسيا وغيرها، وهي صواريخ فرط صوتية قادرة على اختراق أنظمة الدفاع التابعة للناتو".
وأشار إلى أن المشهد الدولي اليوم يقف على مفترق طرق، وسط حديث عن قمة مرتقبة بين روسيا والصين والولايات المتحدة، قد تضم تمثيلًا أوروبيًا بهدف صياغة معادلة سلام جديدة، إلا أن استمرار التصعيد قد يدفع نحو مواجهات واسعة.
ولفت إلى أن معاهدة "INF"، التي ألزمت موسكو بتدمير أكثر من ألفَي صاروخ، التزمت بها روسيا حتى بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، في حين لم تدمر واشنطن سوى جزء محدود من ترسانتها، وفق تقارير استخباراتية.
وأوضح أن العودة الروسية لتطوير صواريخ بمدى يصل إلى 5 آلاف كيلومتر وسرعات فرط صوتية تأتي كرد مباشر على تهديدات الناتو المتزايدة، ورسالة واضحة بأن أمن روسيا القومي لن يُترك مكشوفًا.