تبدو الحملة الأمريكية المتواصلة منذ أسابيع على فنزويلا كحرب على الاتجار بالمخدرات، لكنها تخفي سياسة أعمق تجمع قوانين الحرب القديمة، من التجسس والصفقات التجارية، بهدف رئيس هو "تطهير الفناء الخلفي" لواشنطن من النفوذ الصيني المتزايد.
وتقع فنزويلا، وفق تقرير صحيفة التلغراف، في قلب هذه الاستراتيجية، إذ تجمّعت أمام سواحلها أساطيل أمريكية هائلة مكوّنة من 8 سفن حربية، بما فيها 3 مدمرات، و3 سفن هجومية برمائية، وطراد، وسفينة قتال ساحلية، بالإضافة إلى سرب طائرات إف-35بي، وطائرات ريبر المسيرة، وقاذفات بي-2.
وبينما أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إرسال حاملة الطائرات جيرالد فورد، أحدث حاملة في البحرية، مقدّماً الأمر كعملية مكافحة مخدرات، يؤكد بريان فينوكين، المحامي السابق في وزارة الخارجية، أن الانتشار "يتجاوز بكثير ما يلزم لضربات عرضية على سفن المخدرات".
ومن بين أهداف واشنطن استعراض القوة للضغط على الزعيم الفنزويلي نيكولاس مادورو للتنحي، أو تشجيع انقلاب داخلي، مع ربط نظامه بعصابات إجرامية ومهام سرية لوكالة المخابرات المركزية. لكن السبب الحقيقي ليس المخدرات أو تغيير النظام وحده، بل مكافحة النفوذ الصيني الذي جعل فنزويلا "متجراً مفتوحاً لخصوم أمريكا".
"مبدأ مونرو"
وضخّت بكين ملايين الدولارات في مشاريع النفط الفنزويلية وقروضاً، مقابل احتياطيات النفط الأكبر عالمياً، إذ يرى خبراء أن جهود ترامب تحيي مبدأ مونرو من القرن التاسع عشر، الذي يعتبر أمريكا اللاتينية منطقة محظورة على الخصوم.
ومشروع 2025، مخطط ترامب لولايته الثانية، يدعو إلى "إعادة تقسيم الكرة الأرضية" عبر السيطرة على سلاسل التوريد للأمن الاقتصادي، إذ يهدف فرض عقوبات على النفط الفنزويلي إلى إعادة تأكيد الهيمنة الأمريكية. وقال ترامب لجنرالاته: "نستعيد التركيز على هزيمة التهديدات في نصف الكرة الغربي".
ويؤكد جون بولتون، مستشار الأمن القومي السابق، أن "جميع خصومنا لديهم حضور قوي في فنزويلا، وإزاحة مادورو أولوية قصوى منذ 2019". وفي فنزويلا، لا تقتصر المشكلة على الصين، بل تشمل "المتأخرين" في سلسلة الخصوم.
وأصبح "مبدأ مونرو" صرخة جمهورية، كما قال المحافظ تشارلي كيرك قبل مقتله: "سعيد باستخدام القوة العسكرية في نصف الكرة الخاص بنا ضد من يضرون أمريكا".
جيران فنزويلا
ويمتد التطهير من النفوذ الصيني إلى جيران فنزويلا، إذ اكتشفت غيانا وسورينام احتياطيات نفطية جديدة جذبت استثمارات صينية هائلة، ويبلغ التبادل التجاري بين بكين وغيانا 1.4 مليار دولار سنوياً، مع مشاريع بنية تحتية تنفذها شركات صينية.
وبعد أربعة أشهر من توليه المنصب، أرسل ترامب وزير الخارجية ماركو روبيو في جولة كاريبية لتعزيز الاستقلال الطاقي ومكافحة الهجرة والاتجار بالمخدرات. في غيانا، وقع روبيو اتفاقية دفاعية لتبادل المعلومات الاستخبارية والتعاون العسكري، ردًا على نزاع فنزويلي قديم حول إسيكويبو، التي تشكل ثلثي غيانا.
ومن خلال تحالفات صغيرة، يسعى ترامب إلى عزل مادورو وإرسال رسالة مفادها أن التحالف مع أمريكا آمن وذو قيمة، كما يشير أندريس مارتينيز فرنانديز من مركز أليسون للأمن القومي، مضيفًا: "أعداؤنا يرون نصف الكرة الغربي ذا أهمية استراتيجية، وإدارة ترامب تدرك الترابط الاقتصادي والمعادن النادرة كجزء أساسي من الأمن القومي".
أما في الأرجنتين، يخطط ترامب لشراء اليورانيوم من خافيير ميلي مقابل 40 مليار دولار لإنقاذ اقتصادها المتعثر، الذي يعاني تضخماً عالياً وانخفاض قيمة البيزو، في حين استثمرت الصين هناك عشرات الملايين لتصبح ثاني أكبر شريك تجاري وأكبر مشترٍ للصادرات الزراعية.
لكن تبقى فنزويلا نقطة انطلاق العملية الأمريكية لـ"تطهير المنطقة" من النفوذ الصيني، كما قال بولتون: "الناس يخشون عدم اليقين أكثر من الرسوم"، مؤكداً أن هذه الحرب ليست على المخدرات، بل على الهيمنة الجيوسياسية، لضمان أن يبقى الفناء الخلفي أمريكياً خالصاً.