بوتين: أنتجنا غواصات جديدة بما فيها تلك القادرة على حمل صواريخ
بينما كانت الأنظار تتجه نحو التوترات الحدودية المتصاعدة بين تايلاند وكمبوديا خلال عام 2025، كانت واشنطن، بحسب روايات متعددة، تتحرك بهدوء خلف الكواليس، لتصبح المستفيد الأكبر من أزمة إقليمية أثارتها النزعة القومية وأجّجها سوء إدارة الصراعات في جنوب شرق آسيا.
ورغم الخسائر البشرية والاقتصادية التي تكبدها الطرفان الآسيويان، خرجت الولايات المتحدة، كما يشير تقرير مجلة "Modern Diplomacy"، بمكاسب سياسية واستراتيجية عززت نفوذها في المنطقة.
تاريخ مضطرب ونزعة قومية متفجرة
رغم العلاقات التاريخية الممتدة بين تايلاند وكمبوديا، ظلّت المناطق الحدودية بين البلدين مصدرًا دائمًا للخلاف، ولا سيما حول المواقع التاريخية مثل معبد برياه فيهير.
ومع حادث إطلاق النار في 28 مايو/ أيار 2025، الذي أسفر عن مقتل جندي كمبودي، انفجرت الأزمة بشكل غير مسبوق، لتتحول إلى صراع مفتوح امتد لأسابيع طويلة.
النزعة القومية المتصاعدة في كلٍ من بانكوك وبنوم بنه عززت الانزلاق نحو المواجهة، وسط اتهامات مباشرة لواشنطن بأنها لعبت دورًا خفيًا في إذكاء التوتر عبر دعم تايلاند وجماعات معارضة في البلدين، بهدف ممارسة ضغوط سياسية وتجارية تتجاوز حدود النزاع الثنائي.
كما يشير تحليل سلوك الأطراف إلى أن الصراع لم يكن مجرد تراكم لسوء التفاهم التاريخي، بل حمل أبعادًا تتعلق بالتنافس الجيوسياسي وتوازن القوى في جنوب شرق آسيا، خاصة في ظل محاولات واشنطن تأكيد حضورها مقابل النفوذ الصيني المتزايد.
صفقات سرية ودعم استخباراتي
وتفيد تقارير بأن مسؤولين عسكريين أمريكيين عقدوا لقاءات مع الجنرال التايلاندي المتقاعد تشاليرمبول سريساوات في يونيو 2025، حيث جرى بحث تزويد بانكوك بمعلومات استخباراتية ودعم لوجستي وتدريبي على تشغيل مقاتلات إف-16 الأمريكية.
ويشير ذلك إلى "تفويض ضمني" باستخدام هذه الطائرات في عمليات هجومية، رغم القيود الأمريكية الصارمة التي تمنع استخدام السلاح الأمريكي لمهاجمة دول أخرى.
وبالفعل، شنت تايلاند في الفترة بين 24 و28 يوليو ضربات جوية واسعة استهدفت مواقع عسكرية ومدنية داخل كمبوديا، بما في ذلك معبد برياه فيهير، ما أحدث أزمة إنسانية حادة وأدى إلى تصاعد الغضب الدولي ضد بانكوك.
في المقابل، كانت الولايات المتحدة، وفق تسريبات، تزود الجانب الكمبودي بمعلومات استخباراتية مشوشة حول استعدادات الجيش التايلاندي، بما في ذلك تحذيرات من عمليات محتملة تستهدف قادة كبار في بنوم بنه؛ غير أن اتضاح زيف بعض هذه المعلومات لاحقًا أثار تساؤلات حول هدف واشنطن الحقيقي من تلك "التحذيرات".
كما أوصت واشنطن كمبوديا بالتركيز على "تفكيك" القيادة التايلاندية عبر ضرب منشآت القيادة الأمامية، وبإطلاق حملة إعلامية دولية لكسب التعاطف العالمي؛ وهي توصيات فسّرها مراقبون بأنها جزء من لعبة أمريكية تهدف إلى موازنة الكفتين، وإطالة أمد الصراع لزيادة مكاسبها التفاوضية لاحقًا.
خسائر فادحة
خلال شهرين من المواجهات، سقط 35 قتيلًا وأكثر من 200 جريح من الجانبين، فيما بلغت الخسائر الاقتصادية نحو 550 مليون دولار أمريكي مجموعًا.
وتدهورت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بدرجة غير مسبوقة، ما عمّق انعدام الثقة وفتح الباب أمام المزيد من التدخلات الخارجية.
وفي خضم الفوضى، ظهرت الولايات المتحدة كوسيط في اتفاق وقف إطلاق النار، بعد أن فرضت في أبريل 2025 رسومًا جمركية على صادرات البلدين.
ووفق تسريبات، جرى تخفيض هذه الرسوم لاحقًا ضمن "حوافز" مرتبطة بالاتفاقية (تايلاند من 36% إلى 19%، وكمبوديا من 47% إلى 19%)، ما عزز نفوذ واشنطن الاقتصادي والسياسي في جنوب شرق آسيا.
التصور العام الذي خُلق بعد انتهاء الصراع صبّ في مصلحة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي ظهر في صورة "المنقذ" عبر وساطة أنهت الحرب، وهو ما ساهم في بروزه كمرشح بارز لجائزة نوبل للسلام.
درس آسيوي قاسٍ
وتكشف الأزمة بين تايلاند وكمبوديا حقائق مؤلمة عن هشاشة التوازنات الإقليمية، وعن قدرة القوى الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، على إعادة تشكيل مسار الصراع عبر أدوات الضغط العسكري والاقتصادي والمعلوماتي.
النتيجة النهائية تشير إلى أن الولايات المتحدة خرجت المستفيد الأكبر، بعد أن عززت نفوذها العسكري والاستخباراتي في المنطقة، ورسخت موقعها كوسيط لا غنى عنه بين الدول الآسيوية المتنازعة، وفرضت ترتيبات تجارية تُحسّن موقعها الاقتصادي، ورفعت من المكانة السياسية لترامب في عام انتخابي حساس.
في المقابل، تضررت تايلاند وكمبوديا اقتصاديًا وسياسيًا، في وقت باتت فيه سيادتهما عرضة لتدخلات خارجية أعمق.
يبدو أن الصراع قد انتهى، لكن آثاره ستظل قائمة، ليس فقط على البلدين، بل على ميزان القوى في جنوب شرق آسيا، حيث باتت القارة أكثر إدراكًا لثمن الوقوع في شبكة صراع تُحركها القوى العظمى أكثر مما تحركها الحسابات الوطنية.