حزب الله: تحرك مجلس الوزراء اللبناني بشأن خطة الجيش فرصة للعودة إلى الحكمة والتعقل
في كواليس مغلقة، وبين جدران غرف التفاوض الأوروبية، ارتفعت حدة النقاشات السياسية بعد أن أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية عن إرسال الوزير ماركو روبيو والمبعوث الخاص للرئيس الأمريكي ستيف ويكتوف في مهمة دقيقة إلى باريس، لبحث خطة وضعتها إدارة دونالد ترامب لإنهاء نزاع أوكرانيا.
التحركات الأمريكية انطلقت من العاصمة باريس، يوم 16 نيسان/ أبريل، واستمرت حتى الجمعة، واستهدفت تنسيق المواقف مع الأوروبيين حول خريطة الحل الأمريكية التي تحمل توقيع ترامب، في ظل تزايد الضغوط على كييف، وتراجع شهية الغرب لاستمرار الدعم العسكري المفتوح.
وما زاد من ترقّب العواصم الأوروبية، ما كشفته صحيفة "بوليتيكو"، أن مهمة روبيو وويكتوف لا تقتصر على وقف إطلاق النار في أوكرانيا، بل تشمل كذلك مناقشة التوترات التجارية المتصاعدة بين واشنطن وبكين.
وأكدت مصادر دبلوماسية أن واشنطن تدفع، بكل ثقلها، لتغيير مواقف الحلفاء الأوروبيين من الحرب، وسط توقّعات بأن تتضمن خطة ترامب مساراً لتجميد القتال مقابل تنازلات سياسية مؤلمة، مع فتح الباب لتفاهمات أوسع تشمل إيران والتجارة مع الصين.
وفي ظل هذه التحركات الأمريكية المكثفة، والترقّب الأوروبي لما ستسفر عنه اجتماعات باريس، يبقى السؤال الذي يدور همساً في أذهان المراقبين: هل تنجح خطة ترامب في تغيير الموقف الغربي، ودفع الأزمة الأوكرانية نحو تسوية سياسية قريبة؟
يرى الخبراء أن التحركات السياسية الأخيرة بين واشنطن والدول الأوروبية بشأن الأزمة الأوكرانية تعكس توزيعاً واضحاً للأدوار، في محاولة لتهيئة الأجواء لصفقة تسوية محتملة، تشمل إرسال قوات لحفظ السلام ضمن ما يُعرف بـ"دول الراغبين"، وسط تراجع الحماس الغربي لاستمرار الدعم العسكري لأوكرانيا.
وأكد الخبراء أن الإدارة الأمريكية تضع 3 سيناريوهات محتملة لإنهاء الحرب، أبرزها وقف تدفق الأسلحة الأوروبية إلى أوكرانيا، ودفع أوروبا للقبول بتسوية سياسية، حتى وإن جاءت بشروط روسية مخففة، مقابل الحفاظ على استقرار القارة، وتقليص حجم الخسائر.
توزيع الأدوار بين واشنطن وأوروبا
اعتبر د. نبيل رشوان، المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية، أن الاجتماع الأخير الذي جمع بين كل من روبيو وويكتوف مع ممثلي الدول الأوروبية لم يكن سوى حلقة جديدة من "توزيع الأدوار" في إطار التحركات الهادفة إلى تسوية الأزمة الأوكرانية.
وقال رشوان لـ"إرم نيوز" إن الهدف الحقيقي وراء هذا اللقاء كان توجيه دعوة للدول الراغبة في إرسال قوات لحفظ السلام إلى أوكرانيا، في إطار ما يعرف بـ"دول الراغبين"، وأن التحركات الحالية تكشف عن تراجع رغبة الغرب في الاستمرار بدعم كييف عسكرياً.
وأضاف الخبير في الشؤون الروسية أن الولايات المتحدة، بقيادة الرئيس دونالد ترامب، أصبحت تتحكم في مفاتيح الحل، باعتبارها "كبيرة الغرب"، مشيراً إلى أن الأوروبيين يسعون، حالياً، لاستخدام أدوات الضغط المتبقية لديهم، أملًا بفتح نافذة تفاوض مع موسكو، خاصة بعد استبعادهم من أي محادثات جادة تتعلق بوقف إطلاق النار أو التوصل إلى اتفاق تسوية.
وأكد رشوان أن روسيا ترفض، بشكل واضح، أي مشاركة أوروبية في مساعي وقف إطلاق النار، بسبب ما وصفه بـ"تشدد الشروط الأوروبية" مقارنةً بالموقف الأمريكي، لافتاً إلى أن واشنطن أبدت مرونة واضحة عندما وافقت، فعلياً، على ضم الأراضي الأوكرانية التي سيطرت عليها روسيا، بل وتراجعت عن موقفها السابق بخصوص انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي.
ورقة الضغط الوحيدة
وأشار إلى أن ورقة الضغط الوحيدة المتبقية في يد الولايات المتحدة هي العقوبات الاقتصادية المفروضة على موسكو، مؤكداً أن واشنطن أبدت استعدادها لتخفيف هذه العقوبات، بشرط إعلان روسيا قبولها بوقف إطلاق النار. في المقابل، لا يزال الأوروبيون يدعمون كييف، رغم إدراكهم صعوبة استعادة الأراضي التي فقدتها لصالح موسكو منذ اندلاع الحرب في فبراير 2022.
ومن جانبه، رأى المحلل السياسي والخبير في الشؤون الأوروبية، كارزان حميد، أن التباين الواضح بين التوجهات الأمريكية والأوروبية يمثل أحد أهم أسباب إطالة أمد الصراع الروسي – الأوكراني.
وقال حميد لـ"إرم نيوز" إن الاتحاد الأوروبي لا يزال يراهن على الدعم العسكري الكامل لكييف، على الرغم من إدراكه صعوبة تغيير مسار الحرب، خاصة في ظل التفوق الروسي الواضح على الأرض، وهو ما دفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للمطالبة، مراراً، بوقف تدفق الأسلحة الغربية إلى أوكرانيا.
وتساءل الخبير في الشؤون الأوروبية عن جدوى استمرار الدعم الأوروبي، قائلًا: لماذا تصرّ أوروبا على استنزاف قدراتها المالية والعسكرية في حرب بات واضحاً أنها تخدم هدفاً واحداً، وهو إطالة أمد الاستنزاف لروسيا؟
التحضير للصراع الأمريكي الصيني
وأضاف أن السياسة الأوروبية الراهنة تسعى لتحويل الأزمة الأوكرانية إلى حرب استنزاف طويلة الأمد ضد موسكو، بينما تركز واشنطن على التحضير لصراعها الإستراتيجي المقبل مع الصين، وضمان تعزيز نفوذها العسكري والاقتصادي في القارة الأوروبية.
وأكد المحلل السياسي أن الأوروبيين يفتقدون إلى استقلالية القرار السياسي عن الولايات المتحدة، بسبب ارتباطهم الوثيق بالبنية الأمنية الأمريكية، خاصة أن سياسات ترامب، لا سيما تلك المتعلقة بالتعريفات الجمركية، وصفقة المعادن الأوكرانية، إلى جانب مفاوضات الملف النووي الإيراني، عمّقت شعور الأوروبيين بالتهميش رغم ارتباطهم التقليدي بالبيت الأبيض.
سيناريوهات لحسم الصراع
واختتم حميد تصريحاته بطرح 3 سيناريوهات محتملة لنهج واشنطن تجاه الحرب الأوكرانية، والتي تمثل خريطة الطريق الأمريكية لتسوية النزاع، منها: وقف تدفق الأسلحة الأوروبية، باعتباره مفتاح إنهاء القتال، وربط ذلك بإبرام صفقة المعادن الأوكرانية بالشروط الأمريكية، والضغط العسكري على موسكو، من خلال تمويل أوروبي متزايد لتسليح أوكرانيا، واستهداف مواقع حساسة داخل العمق الروسي، خاصة في شبه جزيرة القرم.
وأضاف أن آخر هذه السيناريوهات تتمثل في فرض تسوية سياسية، وذلك من خلال تهديد الأوروبيين برفع الغطاء الأمني الأمريكي، ما يدفعهم لوقف الدعم العسكري، ويفتح الباب أمام اتفاق تسوية، حتى لو كان هشاً بين كييف وموسكو.