كشفت إسرائيل في خطوة غير مسبوقة، تفاصيل جديدة عن برنامجها النووي عبر بث سلسلة وثائقية تحمل عنوان "الذرة وأنا" على قناة "كان" التلفزيونية.
لأول مرة، تتناول السلسلة نشأة المشروع النووي الإسرائيلي، بدءًا من التعاون مع فرنسا لشراء مفاعل نووي وبنائه في ديمونا عام 1960، وصولًا إلى الإشارة الصريحة لامتلاك إسرائيل لسلاح ذري.
ولادة المشروع النووي
تكشف السلسلة عن التفاصيل الأولى لبناء المفاعل النووي الإسرائيلي في ديمونا بالتعاون مع فرنسا.
تم تشغيل المفاعل منذ الستينيات تحت ستار "الاستخدام السلمي"، فيما عُرفت هذه الجهود باسم "الغموض النووي".
ومع ذلك، أشارت العديد من الدول، بما فيها الولايات المتحدة، إلى أن الهدف الحقيقي كان تطوير قنبلة ذرية.
في مقابلات خاصة ضمن السلسلة، تظهر شخصيات رئيسية مثل عاموس عيران، المدير العام السابق لمكتب رئيس الوزراء، وهو يشير علنًا إلى "السلاح الذري".
كما تسلط السلسلة الضوء على دور شخصيات بارزة مثل الراحل بنيامين بلومبرغ، الذي عمل لأكثر من ثلاثة عقود لتأمين أسرار المشروع.
مهام "لاكام" وعمليات سرية
أُسست وحدة خاصة تحت اسم "لاكام" (مكتب العلاقات العلمية)، والتي تولت أدوارًا متعددة، أبرزها توفير الأمن للمفاعل النووي ومنع تسرب المعلومات عن مشاركة الخبراء الفرنسيين.
لاحقًا، تحولت الوحدة إلى جهاز استخباراتي علمي متخصص في الحصول على التكنولوجيا والمواد النووية، بما في ذلك عمليات شراء لليورانيوم من ألمانيا ودول أخرى، في ظل توقف فرنسا وجنوب أفريقيا عن توفيره.
إحدى أكثر العمليات جرأة تمثلت في تأمين 200 طن من اليورانيوم الطبيعي المستخرج من الكونغو عام 1968.
أُنجزت العملية بفضل إيلياهو ساخاروف، الذي لعب دور الوسيط مع شركات تعدين بلجيكية، لينتهي المطاف باليورانيوم في ديمونا.
الغموض النووي
منذ الستينيات، تبنت إسرائيل سياسة "الغموض النووي"، إذ لا تنفي ولا تؤكد امتلاكها للأسلحة النووية، استجابة لضغوط دولية.
ومع ذلك، فإن الكشف عن تفاصيل البرنامج من خلال الوثائقي يمثل لحظة فارقة قد تُغير طريقة التعامل مع هذا الملف.
هآرتس وصفت إصرار الرقابة العسكرية على إلزام الصحافيين باستخدام عبارة "وفقًا لتقارير أجنبية" بأنه بات عتيقًا وغير ضروري في ظل الحقائق المعلنة.
السلسلة الوثائقية قد تكون بداية لحقبة جديدة من المكاشفة حول برنامج إسرائيل النووي، وربما تؤدي إلى مراجعات إستراتيجية في السياسات القائمة.
أبطال المشروع.. وصانعو الغموض
لا يمكن إنكار دور شخصيات بارزة مثل ديفيد بن غوريون، وشمعون بيريز، وموشيه ديان في تأسيس البرنامج النووي، إلى جانب العلماء الإسرائيليين مثل إرنست ديفيد بيرغمان وإسرائيل دوستروفسكي.
لقد وضع هؤلاء الأسس لمشروع غيّر وجه السياسة الإسرائيلية في المنطقة.
في ظل الكشف الجديد، يبدو أن إسرائيل باتت أقرب إلى مراجعة مواقفها تجاه سياسة الغموض النووي، خاصة في ظل استمرار التحديات الإقليمية، مثل الطموحات النووية الإيرانية.
فسلسلة "الذرة وأنا" ليست مجرد وثائقي؛ إنها نافذة جديدة على تاريخٍ كان محاطًا بالصمت لعقود طويلة.