logo
العالم
خاص

"يوم الصفر".. لماذا أعلن ترامب الحرب على "علي بابا" وما علاقة الصين؟

ترامب مع جاك ما رئيس مجلس إدارة "علي بابا"المصدر: أسوشيتد برس

يبدو أن النبرة التفاؤلية التي اختتم بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اجتماعه مع نظيره الصيني شي جين بينغ في العاصمة الكورية الجنوبية سيول، في طور الخفوت والانكفاء، وذلك مع صعود عدة ملفات خلافية على سطح العلاقات بين البلدين.

ويأتي في مقدمة تلك الملفات الخلافية ملف شركة "علي بابا" عملاق التجارة الرقمية، والتي يتهمها البيت الأبيض بتزويد الجيش الصيني ببيانات حساسة جداً.

ونشرت صحيفة "فاينانشال تايمز" مذكرة رسمية سرية، صادرة عن البيت الأبيض، تعود إلى تاريخ 1 نوفمبر/ تشرين الثاني، تكشف عن كيفية تزويد شركة "علي بابا" لجيش التحرير الشعبي بقدرات يعتقد البيت الأبيض أنها تهدد الأمن الأمريكي.

وحسب الوثيقة فإن "علي بابا" تتيح للحكومة الصينية والجيش حق النفاذ إلى بيانات العملاء بما في ذلك عناوين IP (البروتوكول)، والويفي، وسجلات الدفع، وخدمات متنوعة متعلقة بالذكاء الاصطناعي.  

وزعمت الصحيفة أن موظفي شركة "علي بابا" مدّوا الجيش الصيني بمعلومات مهمة وحساسة حول "الثغرات الأمنية" والتي اصطلح على تسميتها بـ "يوم الصفر"، وهي ثغرات برمجية لم تكن معروفة سابقاً ولم تتح للمطورين فرصة إصلاحها.  

وتخشى الولايات المتحدة الأمريكية من إمكانية توظيف هذه البيانات في صراع "صيني أمريكي" مباشر، أو منحها لطرف ثالث يمكنه استغلالها ضد واشنطن، وتتجه المخاوف مباشرة نحو إيران والتي بدورها قد تزوّد بها ميليشياتها في المنطقة.

ويصعب التثبت من صحة المعطيات الواردة في الوثيقة، علاوة على دقة الاتهامات الأمريكية الموجهة لبكين.  

حرب سيبرانية 

وفي نقاشها لملف الشركات التكنولوجية الصينية تركز واشنطن على البعد الأمني وعلى المخاطر الاستخباراتية المحدقة بها، ولم تتجح الاجتماعات الأمريكية الصينية على أعلى مستوى في طمأنتها حيال منظومة عملها وسلامتها الرقمية.

ففي تقييم للتهديدات الامنية والعسكرية التي تستهدف الولايات المتحدة الأمريكية، أكدت وكالة الاستخبارات الأمريكية أن بكين قادرة على اختراق البنية التحتية الأمريكية بطرق يمكن استخدامها في صراع ثنائي ضدّها.

وأضافت أن الحملات السيبرانية الصينية بما في ذلك الاختراق المستمر غير المسبوق لشبكات الاتصالات الأمريكية أظهرت الاتساع والعمق المتزايد لقدرات تلك الحملات". 

ووصل التصعيد الأمريكي ضد عمالقة التكنولوجيا الصينية، مجلس النواب، حيث تفاعل جون مولينار رئيس اللجنة الجمهورية المعنية بالصين في المجلس.

وقال إن الادعاءات بشأن (علي بابا) تتوافق مع المخاوف القديمة لدى لجنته بشأن خضوع الشركات الصينية للقوانين المحلية والتي تزيل الحماية (أي حماية المعطيات الشخصية) عن العملاء، بغض النظر عن مكان تواجدهم في العالم، داعياً الحكومة إلى اتخاذ خطوات عملية للقضاء على وصول الشركات الصينية إلى الأسواق الأمريكية. 

وكان مولينار واحداً من بين مجموعة من المشرعين الذين دعوا في ماي الفارط، هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية إلى شطب 25 مجموعة صينية على رأسها "علي بابا" بسبب صلاتها المزعومة مع الجيش الصيني، مشيرين إلى برنامج حكومي صيني يدعى "الاندماج العسكري المدني" يُلزم الشركات بمشاركة التكنولوجيا مع الجيش.

تحرك على أكثر من جبهة

حرب المشرع جون مولينار على "علي بابا" لم تقف عند هذا الحد، ذلك أنه سبق وأن أبدى تبرمه ومعارضته للشراكة القائمة بين "علي بابا" واللجنة الأولمبية الدولية، واصفاً إياها بالتهديد الجدي لدورة الألعاب الأولمبية المقررة في "لوس أنجلوس" عام 2028. 

وأشار النائبان مولينار وأندرو غابارينو رئيس لجنة الأمن الداخلي في مجلس النواب، في رسالة إلى وزيرة الأمن الداخلي كريستي نويم، إلى أن ولوج "علي بابا" إلى البنية التحتية السحابية والتجارة الإلكترونية وخدمات التذاكر والبث خلال دورات الألعاب السابقة، منح الشركة وصولاً كبيراً إلى الأنظمة والكوادر.

وحذر النائبان من مغبة وصوله إلى البنية التحتية الرقمية الأمريكية خلال "أولمبياد 2028"، متهمين إياها بـ "الممكِّن" لأنشطة المراقبة والاستخبارات التي تنفذها الحكومة الصينية. 

وانسحب التصعيد الأمريكي على عدة شركات تكنولوجية صينية أخرى، مثل "هواوي تكنولوجيز" و"بايت دانس" وهي الشركة المالكة لتطبيق "تيك توك"، حيث تواجه الشركتان تدقيقاً وتضييقاً متزايدين من قبل الحكومة الأمريكية بزعم ارتباطهما بالحكومة الصينية وتشكيلهما تهديداً للأمن القومي الأمريكي.

وأدرجت "هواوي" على القائمة السوداء في أمريكا، فيما يواجه "تيك توك" خطر الحظر في السوق الأمريكية بموجب قانون صدر عام 2024 ما لا تتخل "بايت دانس" عن أصولها التجارية وعن سلطة الإشراف على التطبيق داخل الولايات المتحدة.

ولا يزال هذا الموضوع محل تجاذب بين واشنطن وبكين، ولم يُوفق اجتماع سيؤول بين ترامب وجين بينغ في حلحلته. 

تشكيك في الرقمنة 

ويشكك الخبراء في مجال الرقمنة، في صحة الحجة المستخدمة من قبل واشنطن للتصعيد ضد عملاق التجارة العالمية "علي بابا"، معتبرين أن الأمر لا يعدّ من المقتضيات الأمنية والعسكرية بقدر ما يندرج ضمن الحرب التجارية الرقمية القائمة بين الشركات الأمريكية والصينية. 

ويؤكد خبراء أنه لا يوجد جيش في العالم لا يستعين بالشركات الرقمية التي تزوده بخدمات خاصة في مجال الذكاء الاصطناعي وفي البيانات الجغرافية الحينية والحوسبة السحابية، سيما وأن الحرب استحالت في جز كبير منها حرباً رقمية. 

وتعتمد الجيوش في كافة أنحاء العالم بشكل متزايد على الشركات لتلبية مجموعة الاحتياجات التقنية، بعد أن باتت أنظمة السلاح مرتبطة بمنظومة رقمية معقدة وتعوّل بشكل متزايد على خدمات الحوسبة السحابية.

ويعتبر الخبراء أن الحجة الأمريكية تناقض الواقع العسكري الأمريكي ذاته، حيث منح "البنتاغون" في 2022 عقودا لخدمات الحوسبة السحابية لشركات "غوغل" و"أمازون" و"مايكروسوفت" و"أوراكل"، وبناء عليه، يرون أنّ التحفظ الأمريكي حيال "علي بابا"، هو تحفظ اقتصادي واستثماري صرف.  

"علي بابا" يفتح المغارة 

أصبحت شركة "علي بابا" رقماً اقتصادياً وتكنولوجياً صعباً في الولايات المتحدة، وواصلت الشركة، التي بدأت كموقع تجاري، التطور والتوسع في مجالات عديدة، حتى صارت تهدد عمالقة الذكاء الاصطناعي في العالم.

وبالنظر أيضا إلى الاجتماع الذي عقده الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض بداية سبتمبر/ أيلول الماضي مع الرؤساء التنفيذيين لعمالقة التكنولوجيا في البلاد، وتأكيده على القيمة الاقتصادية التي تلعبها الشركات الرقمية، واعتباره للذكاء الاصطناعي مجالا استراتيجياً أساسياً، تصبح إزاحة المنافسين الجديين جزءاً من الاستراتيجية الامريكية المعتمدة. 

وينظر المسؤولون الأمريكيون بعين الريبة والقلق، حيال خطة شركة "أبل" للاتفاق مع "علي بابا" على جعل برنامج الذكاء الاصطناعي، والذي تطوره الشركة الصينية، متاحاً على هواتف "آيفون" في الصين. 

ونقلت صحفية "نيويورك تايمز" عن 3 مصادر مطلعة على الأمر، أن السلطات الأمريكية قلقة من أن تساعد الصفقة الشركة الصينية على تحسين قدراتها في مجال الذكاء الاصطناعي وتوسيع نطاق برامج الدردشة الصينية الخاضعة لقيود الرقابة، وزيادة إخضاع "أبل" لقوانين بكين المتعلقة بالرقابة ومشاركة البيانات.

ودخلت "علي بابا" في منافسة شرسة ضدّ عمالقة "الذكاء الاصطناعي" الأمريكيين، وباتت تزاحم الشركات الأمريكية على غرار "مايكروسفت" و"الفا بايت" و"ميتا".

وأعلنت عزمها استثمار نحو 53 مليار دولار في بنيتها التحتية للحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي خلال السنوات الثلاث المقبلة، مضيفة أنها تخطط لتصبح شريكاً رئيسياً للشركات التي تطور منظومات الذكاء الاصطناعي في العالم.  

ومن المتوقع أنّ يبلغ إجمالي إنفاق "مايكروسوفت" 80 مليار دولار في السنة المالية الحالية على مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي، في حين خصّصت "ميتا" نحو 65 مليار دولار لعام 2025.

تغول في مشهد الذكاء الاصطناعي 

ورغم تواضع ميزانية "علي بابا" المخصصة للذكاء الاصطناعي مقارنة مع ميزانية عمالقة التكنولوجيا الأمريكيين، إلا أن الخطوات التي أقدمت عليها خلال الفترة الأخيرة أحدثت قلقاً أمريكياً رسمياً من إمكانية توغل وتغول صينيين في هذا المجال. 

وتُخطط المجموعة للبدء بتحديث تطبيقات "تونغي" (Tongyi) المتوفرة حالياً على نظامي "آي أو إس" و"أندرويد"، مع إعادة تسميتها إلى "كوين" (Qwen) تيمّناً بنموذج الذكاء الاصطناعي المعروف لدى الشركة.

وستضيف الشركة تدريجياً ميزات الذكاء الاصطناعي الوكيل لدعم التسوق عبر منصات تشمل سوق "تاوباو" (Taobao) خلال الأشهر المقبل. كما تخطط الشركة للتوسع عالمياً في النهاية عبر إطلاق نسخة مخصّصة للأسواق الخارجية.

وسجلت "علي بابا" نمواً بنسبة مئوية مكوّنة من ثلاثة أرقام في مبيعات المنتجات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي. وحقق قسم الحوسبة السحابية مبيعات فاقت التوقعات، ليصبح أسرع وحدات المجموعة نمواً.

وفي تصريح يعبّر عن حجم التضييق الذي تعيشه الشركة في الولايات المتحدة، سبق لرئيس مجلس إدارة "علي بابا" جو تساي أن دعا الشركات الآسيوية إلى السعي وراء الفرص الموجودة في آسيا والسوق الأوروبية، بمنأى عن السوق الأمريكية.

وخلال مؤتمر تكنولوجي في ماكو، وجه تساي انتقادات ضمنية لإدارة ترامب قائلاً إن بعض الحكومات تحاول هدم الجسر الذي بنيناه بين آسيا وبقية العالم، مضيفاً: "هناك الكثير من النشاط والتعاون التجاري البيني في آسيا، وأوروبا تمثل فرصة مذهلة للشركات الآسيوية".

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC