عكس الهجوم الروسي الأعنف على كييف منذ بدء الحرب، تحولًا واضحًا في تكتيك موسكو من خلال إدارة الصراع الدموي.
واستخدم في الهجوم أمس الأحد، أكثر من 800 طائرة مسيرة و13 صاروخًا في وقت واحد، ولم يقتصر على الجبهات الشرقية والجنوبية، بل وصل للمرة الأولى إلى قلب العاصمة كييف، حيث أصاب رئاسة الحكومة الأوكرانية، وتسبب في مقتل ثلاثة أشخاص بينهم رضيع، إضافة إلى اندلاع حريق هائل غطى مساحة 800 متر مربع.
ويرى محمود الأفندي، المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية، أن الحرب في أوكرانيا لن تنتهي إلا عبر الحسم العسكري، مؤكدًا أنه لا توجد في الوقت الراهن أي جهود حقيقية لوقف إطلاق النار أو التوصل إلى تسوية سياسية.
وأكد الأفندي، لـ"إرم نيوز" أن المعركة لن تُحسم سياسيًّا، خاصة أن بوتين صرح بذلك للمرة الأولى خلال زيارته إلى الصين، حين كشف أن الأوروبيين أفشلوا الاتفاق الذي جرى التوصل إليه بين روسيا وأوكرانيا في مارس 2022، والذي كان من شأنه أن يؤدي إلى انسحاب القوات الأوكرانية من كييف، لكن الأوروبيين تدخلوا بطريقة غير أخلاقية وتحدثوا مع بوتين بلغة تحمل نوعًا من الإهانة، وفق تعبيره.
وأضاف أن ما يجري حاليًّا هو حرب استنزاف لن تنتهي إلا بالحسم العسكري، مشيرًا إلى أنه "لن يكون هناك ما يُسمى مسار سلام إلا إذا استسلم أحد الطرفين وقبل بشروط الآخر. أما الحديث عن وساطات أو حلول وسط، فهو أمر مستحيل بسبب التباعد الكبير بين مواقف الطرفين الذي يتجاوز 180 درجة.
وأكد أن الولايات المتحدة الأمريكية أدركت هذه الحقيقة، ولذلك غيّرت موقفها وتخلّت عن المطالبة بوقف إطلاق النار، وأعلنت أن أي مسار سلام لن يكون ممكنًا إلا بعد استسلام أحد الأطراف المتصارعة.
وشدد الخبير في الشأن الروسي على أن استهداف روسيا المتكرر للعمق الأوكراني، واستمرار أوكرانيا في قصف ما يُعرف بالأراضي الروسية الجديدة، يؤكد أن الحرب مفتوحة ولن تتوقف قريبًا، لذا فإن الطرفين مستمران في القتال، وروسيا تقترب أكثر من تحقيق هدفها بإجبار أوكرانيا على الاستسلام.
وأشار إلى أن الضربات الروسية الأخيرة كانت رسالة واضحة بأن روسيا أصبحت قادرة على استهداف أعداد كبيرة من الطائرات المسيّرة وتحقيق إصابات دقيقة، نتيجة التراجع الكبير في قدرات الدفاع الجوي الأوكراني.
من جانبه، قال رامي القليوبي، الأستاذ في كلية الاستشراق بالمدرسة العليا للاقتصاد في موسكو، إن إطلاق روسيا عددًا قياسيًّا من المسيرات يعكس قناعة متزايدة داخل الأوساط الروسية بأن الحسم في الصراع مع أوكرانيا بات مرهونًا بالميدان العسكري في ظل غياب أي أفق للتسوية السياسية أو الدبلوماسية.
وأضاف القليوبي في تصريحات لـ"إرم نيوز" أن الجهود الدبلوماسية الروسية، سواء على مستوى التسويق السياسي أو محاولة التأثير في مواقف المجتمع الدولي، قد تعثرت بشكل واضح.
ولفت إلى أن بعض التقديرات التي صدرت عن خبراء عسكريين روس تشير إلى أن تضرر بعض المنشآت المدنية في أوكرانيا قد يكون ناتجًا عن عمل دفاعات كييف الجوية، مؤكدًا أن استهداف روسيا لمرافق مدنية ليس من مصلحتها، لأنه يمنح أوكرانيا فرصة لتصويرها كدولة تسعى إلى التصعيد وتشويه صورتها أمام الإدارة الأمريكية والرأي العام الدولي.
وأضاف، أنه رغم ذلك فلا يمكن الجزم بحقيقة ما يحدث على الأرض، إذ إن كل طرف سواء الروسي أو الأوكراني يقدم رواية منحازة تخدم مصالحه الخاصة؛ ما يجعل من الصعب إجراء تحقيق مستقل وشفاف في ظل ظروف الحرب الحالية.
وأوضح رامي القليوبي أن روسيا تراهن على قدرتها على حسم الصراع عبر حرب استنزاف طويلة الأمد، مستفيدة من وضعها الاقتصادي الأقوى واحتياطاتها الأكبر على مستوى التجنيد والإمداد العسكري، مقارنةً بأوكرانيا التي تعاني من قيود واضحة في هذه المجالات.
وفي السياق ذاته، قال إبراهيم كابان، مدير شبكة الجير إستراتيجي للدراسات، إن التحركات العسكرية الروسية الأخيرة واستهداف مقر رئاسة مجلس الوزراء الأوكراني تحمل رسائل موجهة إلى أوروبا أكثر من كونها موجهة إلى أوكرانيا أو رئيسها فولوديمير زيلينسكي.
وأشار كابان، في تصريحات لـ«رم نيوز» إلى أن "التحركات الروسية العسكرية في هذه المرحلة مقصودة وموجهة بالأساس إلى أوروبا، خصوصًا مع تزايد الحديث عن قرب التوصل إلى اتفاق بين الأطراف المتصارعة، حيث يسعى كل طرف إلى تعزيز حضوره وتأثيره في المعادلة القائمة.
وأضاف أن أوروبا، بقيادة فرنسا، شكّلت تجمعًا لدعم الأمن والاستقرار في أوكرانيا، وهو ما يثير انزعاجًا شديدًا لدى روسيا، خاصة فيما يتعلق بالحضور العسكري الأوروبي داخل الأراضي الأوكرانية، لذلك فإن رسالة موسكو الحالية ليست موجهة إلى أوكرانيا نفسها، وإنما إلى فرنسا والدول الأوروبية التي قررت التواجد ميدانيًّا، ليس لأغراض قتالية وإنما تحت شعار حفظ الأمن والسلام".
وأضاف أنه خلال اجتماع ألاسكا، أكدت موسكو أنها لن توقف الحرب إلا من خلال اتفاق شامل وكامل، وأن الحرب مستمرة، ولا توجد مؤشرات على حدوث تغير جوهري في معادلة الصراع، فكلا الطرفين ما زالا يخوضان المعارك بشراسة ويحرصان على إظهار قوتهما على الأرض.
وأعتقد كابتن أن اتفاقًا رسميًّا قادم لا محالة، لكنه لن يتحقق قبل أن يستعرض كل طرف قوته ونفوذه بشكل كامل داخل أوكرانيا.