بات ما يعرف بـ"القانون الكبير الجميل" الخاص بالتخفيضات الضريبية، الذي أقره الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، صداعًا سياسيًّا للجمهوريين مع اقتراب انتخابات التجديد النصفي للكونغرس.
ففي حين يصفه الديمقراطيون بـ"الأكثر قبحًا"، يجد الجمهوريون أنفسهم مضطرين للدفاع عن قانون يثير الكثير من الجدل حتى داخل صفوفهم.
ورغم تمريره بموافقة الجمهوريين، يخشى قادتهم من أن يتحول القانون إلى "سلاح انتخابي" بيد الديمقراطيين، الذين يرون فيه فرصة لتوجيه انتقادات متواصلة، معتبرين أنه يخدم مصالح الأثرياء والشركات الكبرى على حساب الطبقة المتوسطة، ويتسبب في ارتفاع الأسعار ويقلص مظلة الرعاية الصحية لملايين الأمريكيين.
وبحسب سياسي جمهوري بارز، فإن القانون سيكون بمثابة "حمل ثقيل" على الحزب خلال الحملة الانتخابية، مرجحًا أن يلتزم الحزب الصمت بشأنه حتى انتهاء الانتخابات، في حين يستعد الإعلام المحافظ للترويج له باعتباره خطوة منحت امتيازات أوسع للفئات الفقيرة، في محاولة لتخفيف وطأة الهجوم الديمقراطي المتوقع.
وأكد السياسي الجمهوري طالبًا عدم ذكر اسمه، لـ"إرم نيوز"، أن الإشكالية الحقيقية في قانون التخفيضات الضريبية لا تكمن في جوهره فقط، بل في التوقيت والسرعة التي فُرض بها.
ورغم أن فلسفة القانون تحمل بعض الإيجابيات للفئات المهمشة، فإن استعجال الرئيس دونالد ترامب في تمريره بدافع الرغبة في تسجيل إنجاز شخصي والتباهي به، حال دون صياغته بدقة وتأنٍ، ما أدى إلى خروج مواد غامضة تحمل أكثر من معنى، وأخرى غير منضبطة، إضافة إلى نصوص ابتعدت عن الأهداف الأصلية التي وُضعت من أجلها، وفق السياسي الجمهوري.
وشدد على أن هذا القانون لا ينبغي الترويج له كإنجاز للحزب الجمهوري، بل يتعين توجيه الجهود نحو إبراز قوانين أخرى تحقق مكاسب انتخابية أكثر وضوحاً، فالديمقراطيون – على حد وصفه – سيستثمرون ثغرات القانون في حملاتهم، خصوصاً في الولايات المتأرجحة التي ستكون حاسمة في انتخابات التجديد النصفي.
وأضاف أن القانون الضخم والمعقد كشف عن انقسامات داخلية بين الجمهوريين أنفسهم، إذ كان يحتاج إلى وقت أطول لضبط مواده وتنقيحها، مشيرًا إلى أن حتى الجوانب الإيجابية فيه تبقى رهينة حل أزمات اقتصادية عالقة، مثل ملف الرسوم الجمركية مع الصين، وإصرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي على عدم خفض أسعار الفائدة.
وفي تعليقه على الموضوع، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة "موري ستيت" الأمريكية، الدكتور إحسان الخطيب، إن القانون أثار جدلًا واسعًا، خاصة في ما يتعلق بالضرائب والتأمين الصحي للفئات الأكثر تهميشًا، وهو ما انعكس حتى داخل صفوف الجمهوريين أنفسهم، في ظل اعتماد شريحة واسعة من ناخبيهم على المظلة الصحية.
وأضاف الخطيب، لـ"إرم نيوز"، أن هناك مؤشرات على أن القانون سيسهم في ارتفاع معدلات التضخم ويدفع الشركات لزيادة الأسعار، مشيراً إلى أن الأزمة الحقيقية مرتبطة بالتعريفات الجمركية، ولا سيما في ظل اعتماد الولايات المتحدة بشكل كبير على الاستيراد من الصين. وأوضح أن هذا الواقع يعني أن انتخابات التجديد النصفي ستشهد ضغوطًا اقتصادية أشد، ما ينعكس سلبًا على المزاج الشعبي تجاه القانون.
وأشار الأكاديمي الأمريكي إلى أن الجمهوريين يواجهون قلقاً مضاعفاً، رغم تراجع شعبية الديمقراطيين في الفترة الأخيرة، إذ من المتوقع أن يتحول القانون إلى ورقة انتخابية مؤثرة، لافتًا إلى أن الانتخابات النصفية تمثل عادة تحدياً أكبر للحزب الحاكم، حيث تكون نسبة المشاركة أقل بين أنصاره، وهو ما قد يمنح المعارضة زخماً إضافياً.
وتابع الخطيب أن القانون يُنظر إليه إجمالاً على أنه منحاز للأثرياء، الأمر الذي يجعله "في سلة المهملات" بالنسبة للجمهوريين، حيث من المرجح أن يتجاهلوه في حملاتهم الانتخابية المقبلة.
بدوره، أوضح الخبير في الشؤون الأمريكية، نعمان أبو عيسى، أن القانون يحدد بشكل مباشر أوجه صرف الأموال للعام المقبل، ويعكس سياسة ترامب القائمة على منح إعفاءات ضريبية لفئات محددة، مثل العاملين الذين يعتمدون على الإكراميات "البقشيش" وبعض أصحاب رؤوس الأموال، لكنه في المقابل قلّص من مخصصات الإنفاق على الضمان الصحي، الذي يعد من القضايا الحيوية بالنسبة للأمريكيين.
وأضاف أبو عيسى، لـ"إرم نيوز"، أن عددًا كبيرًا من أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب من الجمهوريين غير راضين عن القانون، بسبب توقعاتهم بزيادة العجز في الميزانية بمقدار تريليونات الدولارات خلال الأعوام المقبلة، مشيراً إلى أن البعض كان يفضل تأجيل إقراره، إلا أن ضغوط ترامب دفعت باتجاه تمريره سريعاً.
ولفت إلى أن الديمقراطيين يصفون القانون بـ"البشع القبيح" لأنه يقلص الإنفاق على خدمات أساسية للمواطنين، بينما يحاول الجمهوريون تسويقه على أنه يمنح تخفيضات ضريبية للعاملين بالإكراميات أو ساعات العمل الإضافية، ويوفر دعما إضافيا للضمان الاجتماعي الخاص بكبار السن.
لكن، وبحسب أبو عيسى، فإن معظم الفئات الأخرى لا تلمس أي فائدة مباشرة من القانون، بل تعاني من ارتفاع الأسعار نتيجة الرسوم الجمركية التي أسهمت في زيادة معدلات التضخم، وهو ما ينعكس سلباً على المستهلك الأمريكي.
وكشف تقرير لموقع صالون الأمريكي أن عدداً من الجمهوريين في الكونغرس بدأوا بالتراجع عن استخدام وصف "القانون الكبير الجميل" عند الحديث عن قانون التخفيضات الضريبية، رغم موافقتهم عليه سابقاً، وذلك مع دخولهم أجواء الاستعداد لانتخابات التجديد النصفي. وأوضح التقرير أن القانون، مقترناً بسياسات الرئيس دونالد ترامب في فرض الرسوم الجمركية، من شأنه رفع معدل الضريبة الفعلي على المواطنين.
وفي المقابل، دافع نائب الرئيس، جيه دي فانس، بقوة عن القانون في مواجهة انتقادات الديمقراطيين، مشيراً في تغريدة سابقة إلى أن "ما سيُفلس هذا البلد أكثر من أي سياسة أخرى هو إغراقه بالهجرة غير الشرعية ثم منح هؤلاء المهاجرين مزايا سخية"، مؤكداً أن القانون يحد من هذه الإشكالية.
ونقل التقرير عن غاريت واتسون، مدير تحليل السياسات في مؤسسة الضرائب، قوله إن العديد من الأمريكيين من الطبقة العاملة قد يجدون أنفسهم مضطرين لدفع ضرائب أعلى في المستقبل القريب، نتيجة الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على معظم السلع المستوردة، وهو ما يفاقم الأعباء الاقتصادية على المستهلكين.