أمام تآكل الدعم الأمريكي لمقديشو، أثبتت الحكومة الصومالية عجزها عن مواجهة الهجمات الأخيرة التي تشنها حركة الشباب، المسيطرة الآن على مناطق شاسعة في جنوب ووسط البلاد.
وقبل أيام، دوّى صوت هجوم انتحاري على مركز احتجاز جودكا جيلاكو، الواقع قرب القصر الرئاسي في قلب العاصمة مقديشو، مخلفًا سبعة قتلى جميعهم من مسلحي حركة الشباب المتشددة، إلا أن الحكومة لم تُصدر أي معلومات عن عدد القتلى أو الجرحى في صفوف القوات الصومالية.
وعدّ هذا الهجوم كأحدث سلسلة هجمات شنتها الحركة في الأشهر الأخيرة، بهدف استعادة مناطق رئيسية كانت تحت سيطرة الجيش، كان أبرزها يوم 18 مارس/آذار الماضي، حين استهدفت حركة الشباب موكبًا رئاسيًّا مما أسفر عن مقتل عشرة أشخاص.
وقبل ذلك بأسبوع، أسفر هجوم بسيارة مفخخة عن مقتل ستة أشخاص على الأقل في فندق القاهرة، على بُعد 300 كيلومترًا شمالي العاصمة.
وفي غضون أشهر قليلة من الهجوم، قلبت حركة الشباب موازين القوى تمامًا، واحتلت مناطق استراتيجية، ولا سيما حول مقديشو، وذلك عقب سيطرتها في مايو/أيار على بلدتي أفغوي وبلكاد، الواقعتين على بُعد 29 و30 كيلومترًا شمال غربي العاصمة، وشمالها على التوالي، ثم سابيد، على بُعد 40 كيلومترًا شمال غربي مقديشو، التي أصبحت محاصرة بعد ثلاثة أشهر من الهجوم.
وكشفت وكالة الاتحاد الأوروبي للجوء، تواجد حركة الشباب الآن في عشرات البلدات والقرى، منها شرق هيران جنوب ووسط الصومال، حيث تسيطر بشكل خاص على "مثلث استراتيجي" يمر عبر بلدات موكوري وتاردو وبقداقابل في وسط البلاد، الأمر الذي يسمح لها بتطويق المواقع الحكومية وقطع خطوط الإمداد، كما احتفظت بمعاقلها في شمال البلاد.
ويُبدد هذا الاستيلاء فعليًّا جميع المكاسب التي حققتها الحكومة الصومالية خلال حملتها العسكرية عامي 2022 و2023 تقريبًا، وفي مواجهة هذا الهجوم، يبذل الجيش قصارى جهده للمقاومة.
ويُرجع خبراء، أحد أسباب هذا التراجع إلى تنامي التوترات الإقليمية التي تواجهها الحكومة الفيدرالية منذ عام 2023.
ففي ذلك العام، أقرّ الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، عدة تعديلات على الدستور لتغيير النظام الانتخابي جذريًّا.
وتُجرى الانتخابات المحلية والوطنية الآن بالاقتراع العام المباشر، دون استشارة مسبقة مع الأقاليم.
وأثار الإصلاح غضب منطقتي بونتلاند وجوبالاند المتمتعتين بالحكم الذاتي، حيث اندلعت اشتباكات بين الجيش الفيدرالي والقوات الإقليمية في يوليو/تموز، وأغسطس/آب الماضيين.
ومنذ تأسيسها عام 2006، تمكنت حركة الشباب من ترسيخ وجودها بشكل مستدام في مناطق مختلفة من البلاد من خلال استغلال النظام العشائري الخاص بالصومال.
وعلى مدار ما يقرب من عشرين عامًا، جمعت حركة الشباب، التي يتراوح عدد مقاتليها بين 7000 و12000 مقاتل، وفقًا لوزارة الخارجية الأمريكية، ثروة مالية طائلة، بفضل نظامٍ مُحكمٍ للضرائب والابتزاز.
وتستفيد الحركة أيضًا من تراجع الدعم الأمريكي للدولة الصومالية منذ عام 2023، والذي تحول نحو بونتلاند، حيث أقام تنظيم داعش في الصومال قاعدته.
ووفقًا لمنظمة "بيانات مواقع وأحداث الصراعات المسلحة" غير الحكومية، نُفذت أكثر من 30 غارة جوية ضد مواقع يُشتبه في أنها تابعة لتنظيم داعش في بونتلاند منذ بداية عام 2025، بينما استهدفت حركة الشباب أقل من عشرين غارة.
وتشارك واشنطن في مكافحة التطرف في الصومال إلى جانب الاتحاد الأفريقي منذ عام 2007، إلا أن هذا الهدف لم يعد يُقنع إدارة الرئيس دونالد ترامب.
ووفقًا لمقال نُشر في صحيفة "نيويورك تايمز"، اقترح بعض مسؤولي وزارة الخارجية الأمريكية إغلاق السفارة الأمريكية في مقديشو، وسحب معظم الموظفين الأمريكيين كإجراء أمني.
وترفض الولايات المتحدة الموافقة على ميزانية بعثة الدعم والاستقرار، مما حال دون تخصيص الأمم المتحدة للأموال المتوقعة.
لذلك؛ لا يُمكن لبعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال الاعتماد إلا على مبالغ أقل من جهات مانحة أخرى، مثل المملكة المتحدة والصين.
