مسيّرة تستهدف سيارة على طريق بلدة مركبا جنوبي لبنان
كشفت تقارير إعلامية أمريكية أن البحرية الأمريكية تعتزم العودة بقوة إلى خليج سوبيك في الفلبين، وهو الموقع الذي كان حتى مطلع التسعينيات أكبر قاعدة أمريكية في آسيا.
وبحسب وثائق الإيجار المسربة، تخطط واشنطن لإنشاء منشأة تخزين وصيانة بمساحة 25 ألف متر مربع بحلول سبتمبر/ أيلول 2026، إلى جانب مشروع أوسع لإنشاء مصنع ذخيرة يُروّج له باعتباره أكبر مركز لتصنيع الأسلحة في العالم، بحسب صحيفة "آسيا تايمز".
تأتي هذه العودة الأمريكية في وقت بالغ الحساسية بالنسبة لمانيلا، التي تجد نفسها بين ضغط اقتصادي صيني وضمانات أمنية أمريكية، ما يجعل خياراتها أقرب إلى السير على حافة توازن محفوف بالمخاطر.
يُعيد إحياء سوبيك إلى الواجهة الدور الحيوي للفلبين ضمن ما يُعرف باستراتيجية "سلسلة الجزر الأولى" الأمريكية، الممتدة من اليابان مرورًا بتايوان وصولًا إلى الفلبين.
فالمنشأة الجديدة، وإن لم تكن مخصصة لتخزين الذخائر مباشرة، ستوفر قدرات لوجستية متقدمة تشمل صيانة المركبات والمعدات وتخزينها في ظروف محكمة، بما يعزز مرونة القوات الأمريكية في البيئات البحرية المتنازع عليها.
إلى جانب ذلك، يُمثّل مشروع مصنع الذخيرة نقطة تحوّل رئيسية؛ إذ يهدف لتقليل اعتماد واشنطن على المخزونات الموجودة في البر الأمريكي البعيد، وتوفير بدائل أسرع للإمداد في حال وقوع طارئ في مضيق تايوان أو بحر الصين الجنوبي.
هذه التحركات ليست مجرد تعزيز للبنية العسكرية الأمريكية، بل إشارة صريحة إلى أن الفلبين باتت مجددًا محورًا في مواجهة النفوذ الصيني المتنامي.
وتشير تحليلات صادرة عن مؤسسة "راند" وتقارير عسكرية أمريكية إلى أن البيئة الاستراتيجية الحالية لم تعد تسمح بالاعتماد على مراكز إمداد تقليدية، إذ باتت عرضة للاستهداف المباشر من الصين.
وقد تقلب الهجمات على سفن الإمداد أو المستودعات الأمريكية في المحيطين الهندي والهادئ موازين أي صراع محتمل؛ ولهذا، تأتي منشأة سوبيك في إطار إعادة هيكلة لوجستية تعتمد على "التوزيع والمرونة" بدلًا من "التمركز والتكديس".
كما يحذر بعض الخبراء من أن أي نزاع محتمل حول تايوان سيضع الفلبين في قلب المعركة، نظرًا لموقعها الجغرافي على طرق الإمداد الأساسية؛ وهو ما قد يحوّل أراضيها من رصيد استراتيجي إلى هدف عسكري محتمل.
وتعكس هذه المخاطر المعضلة الأوسع: كيف يمكن لمانيلا أن تستفيد من الضمانات الأمنية الأمريكية دون أن تتحول إلى ساحة صراع مفتوح مع بكين.
حسابات سياسية داخلية وضغوط اقتصادية
ويتجاوز التحرك الفلبيني نحو توسيع الشراكة الدفاعية مع الولايات المتحدة البُعد العسكري البحت، ليأخذ أبعادًا سياسية داخلية واضحة؛ فالرئيس فرديناند ماركوس الابن يوظف هذا التحالف لتعزيز موقعه في مواجهة نفوذ عائلة دوتيرتي المنافسة، مستندًا في الوقت ذاته إلى السخط الشعبي المتصاعد إزاء التوغلات الصينية في بحر الفلبين الغربي.
كما أن القبول بزيادة القواعد ضمن اتفاقية التعاون الدفاعي المعزز، والانفتاح على شراكات أوسع مع اليابان وأستراليا وكوريا الجنوبية، يمثلان أدوات استراتيجية لترسيخ سلطته داخليًا وتحصين شرعيته أمام التحديات.
غير أن هذا التوجه يواجه عقبتين جوهريتين؛ الأولى تتمثل في القيود الدستورية التي تمنع عودة القواعد الأجنبية دون موافقة مجلس الشيوخ، ما قد يحد من قدرة ماركوس على المضي قدمًا دون توافق سياسي داخلي.
أما العقبة الثانية فهي المخاوف من أن يؤدي الارتماء المفرط في أحضان واشنطن إلى إضعاف العلاقات الاقتصادية مع بكين، الشريك التجاري الأكبر والمستثمر الرئيسي في الفلبين.
وتشير الأرقام الرسمية إلى تراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة بنسبة 64% خلال النصف الثاني من عام 2025، رغم أن الصين لا تزال تمثل 22% من إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر.
كما يضع هذا التراجع الاقتصادي إدارة ماركوس أمام ضغوط متزايدة لإعادة تقييم حدود انخراطها مع الولايات المتحدة.
تكشف التطورات في سوبيك أن الفلبين تجد نفسها أمام معادلة دقيقة: فهي تحتاج إلى المظلة الأمنية الأمريكية لحماية مياهها الإقليمية، لكنها لا تستطيع الاستغناء عن العلاقات الاقتصادية مع الصين التي تبقى شريانًا رئيسيًا لنموها.
من جهة، يمثل الوجود العسكري الأمريكي فرصة لخلق وظائف ونقل تكنولوجيا، كما وصفه وزير الدفاع الفلبيني جيلبرتو تيودورو؛ ومن جهة أخرى، فإن هذا الوجود يرسخ صورة الفلبين كقاعدة أمامية في استراتيجية واشنطن ضد بكين، بما يحمله ذلك من مخاطر استراتيجية واقتصادية.
في نهاية المطاف، يُعيد خليج سوبيك اليوم إنتاج ذاته كرمز للصراع الجيوسياسي بين قوتين عظميين، وكميدان تختبر فيه الفلبين قدرتها على تحقيق التوازن بين الأمن القومي والازدهار الاقتصادي.
ويبقى السؤال مفتوحًا: هل تنجح مانيلا في السير على هذا الخيط الرفيع دون أن تسقط في فخ المواجهة المباشرة؟