تنتظر قمّة مجموعة العشرين"G20" ، التي تستضيفها جنوب أفريقيا، يومي السبت والأحد المقبلين، مجموعة من الملفات المعقدة، يقع على رأسها الرسوم الجمركية، التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على معظم دول العالم.
وظهر "التوتر" مُبكرًا على أجواء القمّة المنتظرة، لا سيما أن جنوب أفريقيا، رفضت طلباً أمريكياً بعدم إصدار إعلان لقادة دول مجموعة العشرين خلال القمة، التي اختارت واشنطن مقاطعتها، رغم أنه من المفترض أن يُسلّم رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا، رئاسة المجموعة إلى نظيره الأمريكي نهاية العام الجاري.
ولعل معظم ملفات اجتماعات قادة مجموعة العشرين، مرتبطة بالرئيس ترامب، وفي صدارتها "الرسوم الجمركية"، التي ترأى دول عدة أنها تتنافى مع مبادئ الاقتصاد الحر، والحركة الاقتصادية العالمية، وانسيابية الأسواق.
وستكون قضية تشديد العقوبات على موسكو من قبل واشنطن والاتحاد الأوروبي، حتى والحد من التجارب النووية، وسلامة الممرات البحرية، والسيطرة على أسعار المعادن، وتضخم الديون العالمية، حاضرة على طاولة اجتماعات القمّة.
وقالت مصادر دبلوماسية في الاتحاد الأفريقي، إن أجواء القمة تحولت، مسبقاً، إلى "حلبة ملاكمة" بتعامل إدارة ترامب من منطق أن انتقادها يعد عداءً، وأن أصدقاءها ممنوعون من النقد أو إساءة صورتهم، وأن جنوب أفريقيا لم تجنِ مكسباً من تحديها للولايات المتحدة عبر دعوتها القضائية أمام محكمة العدل الدولية باتهام إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، في وقت كان فيه الرد من ترامب، بمزاعم قتل المزارعين البيض في جنوب أفريقيا، والادعاء أنهم يفرون إلى الولايات المتحدة.
وأوضحت لـ"إرم نيوز"، أن عدم الحضور الأمريكي ليس سياسياً فقط من جانب إدارة ترامب، ولكنه يعمل على جعل القمة دون أية مقومات أو اجتماعات نشطة تخرج بمعطيات واتفاقيات تعاون في ظل رهان اقتصاديات ناشئة في أفريقيا وأمريكا اللاتينية على تطوير مقومات العلاقات الاقتصادية والتجارية مع دول كبرى.
وبيّنت المصادر، أن ترامب يعمل على أن يثبت بعدم حضوره الهيمنة على الاقتصاد العالمي، وذلك بفرضه الرسوم الجمركية في عمق الاقتصاديات العالمية وليس على هامشها، وأنه كسب هذا الرهان، وأنه من خلال الرسوم التي خضعت لها دول أوروبية وتعاملت معها الصين وارتبطت بالتزامات نحوها، تمنع تحالفات اقتصادية، ومشاريع تحرر بعض الصناعات التي تحرك الأسواق الاقتصادية الناشئة.
وذكرت أن أهم الملفات الموضوعة أمام القمة، هو تضخم الديون العالمية، حيث هناك تخوف كبير من أزمة اقتصادية عالمية يتسبب فيها ما بات يعرف بـ"صناعة الديون"، وأنها تنهش في عصب الاقتصاد الدولي، وأنه يجب وضع برنامج ذي مستويات يحدث توازن بين تعاملات الاقتصاديات الكبرى وحاجة الاقتصاديات الناشئة، وربطها بمعدلات التنمية من جهة، ومن جهة أخرى، التعامل مع ما يتجاوزه حجم فوائد الديون العالمية التي بات لها حجم أكبر من صناعات كبيرة قائمة وأضخم من اقتصاديات دول.
ولفتت إلى أن من الملفات، التي ستكون حاضرة في قمة العشرين، هي تنمية قدرات الدول النامية في مواجهة الكوارث الطبيعية، وتهيئة الخدمات الصحية والتعليمية في بلدان تضررت من أعمال قامت بها دول صناعية لتضخيم اقتصادها، وذلك ما يعرف بأزمات البيئة والمناخ، بجانب العمل على تمويل مشاريع الطاقة النظيفة، والعمل على الوصول إلى استفادة مشتركة، لا تحمل أطماعاً في المعادن النادرة التي توجد احتياطيات كبيرة منها في الدول النامية، وباتت المنافسة عليها لا تخضع لأية معايير من الدول الكبرى وفي الصدارة الولايات المتحدة.
وأشارت المصادر إلى أن هناك بروتوكولات بين دول كانت ستتحول إلى اتفاقيات ضخمة بعشرات المليارات تفتح أفق استثمارات في دول نامية في أفريقيا، ولكن مع عدم حضور الولايات المتحدة، أغلقت قنوات تحويل هذه البروتوكولات إلى اتفاقيات بسبب الرسوم الجمركية التي تقيد دول في مشاريع صناعات وملفات تجارية، حيث كانت ينتظر حلحلة هذه الملفات بحضور ترامب.
بدوره، قال المستشار السابق في البنك الدولي وأستاذ الاقتصاد السياسي، الدكتور عمرو صالح، إن القمم التي عُقدت سابقًا، وعلى رأسها قمة 2008 في مدينة تورنتو الكندية عقب الأزمة المالية العالمية، وقمّة 2009 في العاصمة البريطانية لندن، كان هناك توافق بين دول مجموعة العشرين على ضرورة تحقيق توازن بين الشمال والجنوب في الالتزامات الدولية، سواء فيما يخص التجارة أو الملفات الحساسة، مثل: البيئة، والتنمية، ودعم القارة الأفريقية.
وأضاف لـ"إرم نيوز"، لكن في السنوات الأخيرة، ومع وصول ترامب إلى السلطة، وقيام الولايات المتحدة بحرب تجارية على عدد من الدول الأعضاء في المجموعة، مثل: الصين، وجنوب أفريقيا، التي فرض عليها ترامب رسومًا جمركية بلغت 30%، وهو أعلى معدل في أفريقيا، ظهرت توترات كبيرة.
وأوضح الدكتور صالح أن عدم حضور ترامب أو أي ممثل لبلاده في القمة، اعتبره البعض إشارة غريبة إلى عدم الرغبة وعدم الرضا، بينما ترى واشنطن أن القمة يصدر عنها عادة ملفات عمل توافقية وليس بيانًا ختاميًا.
ولفت إلى أن جنوب أفريقيا تسعى إلى الإثبات للعالم أن هذه القمة فعلية وقوية، عبر البيان الختامي، مشيرًا إلى أن هناك فرقًا واضحًا بين الملفات التوافقية والبيان الختامي ، حيث يعد الأخير أقوى وأكثر تأثيرًا، وما تسعى إليه جنوب أفريقيا هو إصدار بيان ختامي فعلي.
ونوه الدكتور صالح إلى أن الاتهامات تتصاعد بين الجانبين، حتى وصلت إلى اتهام وتهديد الولايات المتحدة لجنوب أفريقيا بأنها تمارس التمييز العنصري ضد البيض وتصادر الأراضي، مما أدى إلى خلاف كبير ومشاحنات بين الدولتين بسبب اختلاف وجهات النظر، إضافة إلى موقف جنوب أفريقيا الداعم لفلسطين، وبمساندة البرازيل، أحد أبرز المشاكسين للولايات المتحدة، مقابل وجود الأرجنتين التي تعد أكبر الداعمين للولايات المتحدة في القمة.
وبيّن أن انعقاد القمة في جنوب أفريقيا في القارة السمراء لأول مرة، يمثل إصرارًا وتشبثًا من جانب البلد المستضيف على لعب دور فاعل على الساحة الدولية، كما لفت إلى أن هناك استقطابًا واضحًا، إذ أعرب بعض المسؤولين في الاتحاد الأوروبي عن تضامنهم مع جنوب أفريقيا في مسألة إصدار بيان ختامي أو حتى بيان توافقية على الأقل، مؤكّدين أن للكلمات والمعاني دلالات مهمة.
من جهته، اعتبر الخبير في الاقتصاديات الدولية، الدكتور عمار يوسف، أن الرسوم الجمركية ستتصدر ملفات القمّة، مشيرًا إلى أن رسوم ترامب تتنافى مع مبادئ الاقتصاد الحر والحركة الاقتصادية العالمية، والتبادل التجاري الدولي، وانسيابية الأسواق.
وأضاف لـ"إرم نيوز"، أن من القضايا، التي ستكون حاضرة في القمّة تشديد العقوبات على موسكو من قبل الولايات المتحدة وأوروبا، لا سيما ما يخص حصتها من النفط، حتى باتت روسيا مضطرة لبيع النفط بأسعار أدنى من السعر العالمي نتيجة هذه العقوبات، وهو ما يعد أحد المحاور الأساسية التي يسعى المجتمعون إلى مناقشتها.
وذكر الدكتور يوسف، أن القمة ستبحث أيضًا الحد من التجارب النووية، خاصة لدى روسيا والصين والولايات المتحدة، ورغم أن هذا الملف يأتي على الهامش، إلا أنه يظل عنصرًا مهمًا في أعمال القمة، وذلك بجانب ملف سلامة الممرات البحرية، الذي يعد شديد الأهمية، إذ تعهدت واشنطن القيام بإجراءات خاصة لضمان حماية تلك الممرات، ما يطرح تساؤلات حول طبيعة هذه الإجراءات وإمكانية أن تشارك دول أخرى في دعم هذه الجهود، خاصة في ظل الإشكالات القائمة، حاليًا، في مضيق باب المندب.
ومن بين الملفات المطروحة أيضًا بحسب الدكتور يوسف، التضخم والسيطرة على أسعار المعادن، لاسيما أن الفترة الماضية شهدت ارتفاعًا غير طبيعي في أسعار المعادن الثمينة، ما تسبب بمشكلات اقتصادية كبيرة، ولذلك تسعى دول العشرين إلى تبني إجراءات للسيطرة على هذا الارتفاع.
ورأى أن هناك أهمية لمشاركة دول عديدة في القمة، مثل: السعودية، والإمارات، وإيطاليا، وفرنسا، موضحًا أن حضورهم يمثل فرصة للتبادل الاقتصادي، وأيضاً البرازيل والهند رغم أنهما جزء من "البريكس"، التي لم تعد تمتلك القوة والتأثير الاقتصادي اللذين كان يجري الحديث عنهما سابقًا، بل إنها "في طريقها للزوال"، بحسب تعبيره.
ولفت الدكتور يوسف إلى أن إيران تعاني وضعًا اقتصاديًا شبه منهار يجعلها خارج المنظومة الاقتصادية الفاعلة، كما أن روسيا تعيش حالة مشابهة بعد العقوبات المتعلقة بالحرب الأوكرانية، ما أفقدها دورها المؤثر داخل "البريكس".