أكد خبراء فرنسيون أن دعم الرئيس إيمانويل ماكرون لانضمام صربيا إلى الاتحاد الأوروبي يأتي في سياق استراتيجية فرنسية تهدف إلى إعادة رسم التوازن الجيوسياسي الأوروبي، عبر جذب دول البلقان بعيدًا عن النفوذ الروسي، وإعادة إحياء مشروع التكامل الأوروبي، لكن ضمن شروط إصلاحية صارمة تحافظ على استقرار الكتلة الأوروبية.
وخلال مكالمة هاتفية مع نظيره الصربي ألكسندر فوشيتش، شدد ماكرون على أن "المصير الأوروبي لصربيا" يجب أن يبقى المسار الوحيد الممكن، رغم تحالفات بلغراد الاستراتيجية مع موسكو ورفضها فرض عقوبات على روسيا منذ بدء الحرب في أوكرانيا.
ورغم هذا الدعم، يشير محللون إلى أن المسألة لا تتعلق فقط بالجغرافيا السياسية، بل بموازنة دقيقة بين قيم الديمقراطية الأوروبية وواقع سياسي واقتصادي شديد التعقيد في صربيا والمنطقة ككل.
رئيس صربيا شريك مقرب من بوتين، وتستورد بلاده الغالبية العظمى من الغاز من روسيا، ولم تفرض أية عقوبات ضدها منذ بداية الحرب على أوكرانيا. ورغم أنها مرشحة للاتحاد الأوروبي، وتعتبر الاتحاد شريكًا اقتصاديًا أساسيًا، إلا أن بلغراد تمارس لعبة دبلوماسية دقيقة بين موسكو وبروكسل.
في المقابل، شدد ماكرون على التزام فرنسا بـ"استقرار ووحدة وسيادة" البوسنة–الهرسك، واحترام دولة القانون. وقد حُكم على زعيم الصرب في البوسنة ميلوراد دوديك بالسجن لمدة عام، مع ست سنوات من عدم التأهل للانتخابات، بسبب رفضه الاعتراف بسلطة الممثل الأعلى الدولي على الاتفاقية. ورغم دعم فوشيتش لدوديك، رفض ماكرون الحكم معتبرًا أنه سيؤدي إلى أزمة غير مسبوقة في المنطقة.
أستاذ التاريخ الأوروبي المعاصر في جامعة باريس، لوريان وارلوزيه، قال لـ"إرم نيوز" إن مبادرة ماكرون المتعلقة بانضمام صربيا جزء من رؤية أوسع لتجديد أوروبا عبر توسيع عضويتها، مما يعيد تفعيل الدور الفرنسي داخل البنية الأوروبية، ويحفّز تحولات اقتصادية وسياسية مضبوطة.
ورأى وارلوزيه أن توسيع الاتحاد لا ينبغي أن يتمّ دون إصلاحات داخلية عميقة، داخل المؤسسات الأوروبية وفي الدول المرشحة. ويعتبر هذا الدمج المدروس شرطًا للحفاظ على قيم الاتحاد واستمراريته.
ويعتقد أن صربيا تشكل تجربة حاسمة: هل يستطيع الاتحاد استيعاب دولٍ ذات تقاطعات مع دولٍ خارجية مثل روسيا؟ نجاحها يعني إثبات أن النموذج الأوروبي قادر على التكيّف والتحديث ضمن قيم التسامح والديمقراطية.
من جهته، قال فابريس بوتييه، خبير الشؤون الأوروبية والاستراتيجيات الأمنية، والمستشار السياسي في الشؤون الأوروبية والأطلسية لـ"إرم نيوز" إن ماكرون يرسل معلومة واضحة من خلال دعمه لصربيا: "أوروبا لن تستسلم للنفوذ الروسي، بل تسعى لإعادة الدمج السياسي والاقتصادي للدول المحاذية ضمن كتلة موحّدة وقوية".
ووفقًا لبوتييه، فإن انخراط صربيا في طائرات رافال الفرنسية ومشروعات فرنسية أخرى يشكّل مناخاً يسمح لباريس بتقليل اعتماد بلغراد على روسيا، وهذا يعزز "الاستقلالية الاستراتيجية" للاتحاد.
وأشار الباحث السياسي الفرنسي إلى أن دعم ماكرون لصربيا يجب أن يكون مرتبطًا بشروط واضحة تتعلق بالشفافية، وحرية الصحافة، وانتخابات نزيهة. وهذا يتماشى مع ضغوط المفوضية الأوروبية، موضحاً أنه لم تعد العضوية هدفًا رمزيًا فقط، بل محفّزًا للالتزام بالقيم الأوروبية.