رأى خبراء أن ملف فول الصويا عاد إلى واجهة المفاوضات بين واشنطن وبكين قبيل القمة المرتقبة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الصيني شي جين بينغ، بوصفه أحد أكثر الملفات حساسية في العلاقات الاقتصادية بين البلدين.
ويحرص ترامب على أن يكون فول الصويا "طبقا رئيسيا" على طاولة الحوار المرتقبة مع نظيره الصيني لاعتبارات متعددة.
وإلى جانب "تيك توك" وأشباه الموصلات والتكنولوجيا الفائقة، أصبح فول الصويا محوراً استراتيجياً يجمع بين الاقتصاد والسياسة والانتخابات في آن واحد، خصوصاً في ظل سعي ترامب إلى إعادة تدفق الشحنات الأمريكية نحو الموانئ الصينية لإرضاء المزارعين في الولايات الجمهورية الكبرى.
وأكد الخبراء لـ"إرم نيوز"، أن هذا المحصول تحول إلى ورقة ضغط متبادلة تستخدمها كل من واشنطن وبكين ضمن لعبة المصالح الكبرى، لكن ترامب يسعى اليوم إلى استعادة هذه الورقة من خلال صفقة ترضي الخزان الانتخابي في الولايات الزراعية، وتعيد بعض التوازن إلى المشهد التجاري المتوتر مع الصين.
وقال الخبير الاقتصادي مصطفى يوسف جديد، والمقيم في الولايات المتحدة، إن المشكلة التي يواجهها الرئيس ترامب هي أن المزارعين في ولايات مثل إلينوي وأيوا ومينيسوتا، أو ما تُعرف بالولايات الحمراء، أي الولايات الجمهورية، وهم خزان انتخابي لترامب، وبالوقت نفسه سيخسرون خسائر كبيرة في حال لم يتم تصدير فول الصويا.
وأضاف لـ"إرم نيوز" أن الصين تستهلك كميات مهولة من هذه المادة، وهي أكبر مشترٍ في العالم، خاصة وأن فول الصويا هو المكوّن الرئيسي في مادة الأعلاف التي تُعدّ طعاماً للخنازير، كما أن الصين لديها أكثر من 400 مليون خنزير.
وبيّن الخبير جديد، أنه ومع اشتداد الحرب التجارية، جنحت بكين لاستيراد هذه المادة من البرازيل والأرجنتين ودول أخرى، حتى وصل هامش ذلك إلى 90% من حاجتها، ما يعني أنها لم تعد بحاجة إلى الولايات المتحدة، إذ أصبح لديها مخزون استراتيجي.
وأكد أن الصين لن تبرم اتفاقية مع الرئيس ترامب إلا إذا ألغى الأخير التعريفات الجمركية التي فرضها على الصين، والتي بدورها أوقفت تصدير المعادن الأرضية النادرة إلى الولايات المتحدة، ولن تمنحها ذلك إلا بعد وقف التعريفات الجمركية أيضاً، والتي أضرت بالمنتجين الصينيين.
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن ترامب، ليصل إلى اتفاق مع الصين، عليه أن يلغي التعريفات الجمركية، إذ يؤمن بأنه رجل الصفقات وشخص عملي وبراغماتي.
ورجح أن يلغي ترامب التعريفات الجمركية ولكن ليس بشكل مباشر، بل لفترة تبدأ بالإلغاء لمدة ستة أشهر، لضمان تصدير محصول المزارعين في وقته، لأنهم إن خسروا الموسم الحالي، فستكون انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأمريكي بعد عام وأسبوع من الآن، وهو ما سيؤدي إلى خسائر مهولة للجمهوريين.
وذكر الخبير جديد أن ترامب سيحاول تلافي هذا الضرر، مشيراً إلى أن الصين بالمقابل ستضغط عليه لإلغاء التعريفات الجمركية وإبرام اتفاقية قوية يتم الالتزام بها وعدم التراجع عنها، في حين أن نية ترامب تتجه نحو استرضاء خزانِه الانتخابي.
من جهته، أكد الخبير الاقتصادي الصيني نادر رونغ، أن هذا الأمر أمريكي صرف، بينما ترى الصين أن طبيعة العلاقات التجارية بين البلدين هي كسب مشترك، لذلك عندما شنت الولايات المتحدة حرب الرسوم الجمركية على الصين، دافعت الأخيرة عن مصالحها وقامت بإجراءات مماثلة.
وأضاف لـ"إرم نيوز"، أن الولايات المتحدة هي التي أجبرت الصين على إيجاد مصادر وأسواق أخرى لاستيراد فول الصويا مثل البرازيل، رغم انفتاحها على استيراده من الولايات المتحدة، لكن الأضرار كانت على الجانبين، إذ لطالما أكدت الصين أنه لا يوجد فائز في الحرب التجارية.
وأشار الخبير رونغ إلى أن أضرار الجانب الأمريكي كانت أكبر بكثير من الصين، فالمزارعون الأمريكيون لم يتمكنوا من بيع منتجاتهم إلى السوق الصيني كالمعتاد، وهؤلاء من أكبر الداعمين لترامب في الانتخابات، ونتيجة لذلك أصبح موضوع فول الصويا مهماً جداً بالنسبة له في المباحثات التجارية مع الصين.
كما أكد أنه بعد اجتماع الرئيسين ترامب ونظيره الصيني شي جين بينغ، سيتم توقيع اتفاقية في هذا الشأن، وستكون هذه المسألة أولوية بالنسبة لترامب، لذا سيعمل على إنجاحها.
يُذكر أن محصول المزارعين الأمريكيين بات قاتماً بعد توقف تصديره إلى الصين، إذ "تكدّست كميات فول الصويا في المخازن مع تراجع الأسعار الحاد"، وتشير بيانات وزارة الزراعة الأمريكية إلى أن أسعار العقود الآجلة لفول الصويا تراجعت إلى أدنى مستوياتها منذ 5 سنوات.
بالمقابل، نجحت الصين في قلب المعادلة في قطاع الغذاء كما فعلت سابقاً في قطاع المعادن، إذ لم تعد أسواقها رهينة القرارات الأمريكية، وتُظهر بيانات التجارة أن واشنطن فقدت واحدة من أهم أدواتها التفاوضية بعد أن تحوّل فول الصويا إلى سلاح بلا هدف.
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي بسام النيفر إن فول الصويا هو منتج حيوي في عدة ولايات أمريكية، وهذه الولايات المنتجة هي أساساً ولايات جمهورية، ما يعني تضاعف اهتمام ترامب بهذه المسألة.
وأضاف لـ"إرم نيوز" أن الصين تستوعب سنوياً 25% من إنتاج الولايات المتحدة، والآن، فإن عدم استيرادها لهذا الإنتاج يؤثر بشكل مباشر على الأسعار وعلى المزارعين، وهذا ما حدث فعلاً، إذ يمر المزارعون الأمريكيون بأزمة كبيرة.
وأكد الخبير النيفر، أن الصين الآن تمتلك إحدى الأوراق التي ستلعبها في المفاوضات، فالضغط الأمريكي كان على تطبيق "تيك توك" وعلى الصادرات الصينية، لكن الصين ركزت بشكل كبير على المعادن الثمينة وعلى الصادرات الزراعية من الولايات المتحدة، ما سيُفضي إلى اتفاق يمكن اعتباره هدنة بين البلدين، وسيسمح للمزارعين الأمريكيين بتصدير المنتج وتفادي انهيار الأسعار وتجنّب الخسائر.
وذكر أن الصين استعادت بهذه الطريقة جزءاً من المكاسب التي كانت ترنو إليها، من خلال اتفاقية كبرى تضع حداً للخلافات التجارية بين العملاقين الاقتصاديين.