كشف تقرير حديث أن الهند تجد نفسها بعد أعوام من المناورة بين واشنطن وموسكو، في قلب معادلة شائكة: هل تواصل شراء النفط الروسي الرخيص، أم تخضع لضغوط العقوبات الأمريكية الجديدة؟
فقد أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية مؤخرًا حزمة عقوبات جديدة تستهدف شركتَي "روسنفت" و"لوك أويل"، وهما أكبر منتجَين للنفط في روسيا؛ ما يجعل التعامل معهما محفوفًا بالمخاطر لأي شركة دولية.
وبحسب "نيويورك تايمز"، فإن هذه الخطوة لم تأتِ من فراغ، بل جاءت بعد شهور من الجمود الدبلوماسي بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي حول ملف الطاقة الروسية.
ويرى الخبراء أن الهند، التي كانت تعتمد قبل حرب أوكرانيا على إمدادات نفطية من مصادر أخرى، تحولت سريعًا بعد الحرب إلى أكبر مستورد للنفط الروسي المخفّض السعر؛ ما وفر لها مليارات الدولارات، غير أن هذا الاعتماد أصبح اليوم عبئًا سياسيًا، خصوصًا أن واشنطن تراه دعمًا غير مباشر لاقتصاد الكرملين.
وحذر الخبراء من أن العقوبات الجديدة قد تغير حسابات نيوديلهي؛ فالشركات الهندية الخاصة مثل "ريلاينس إندستريز" بدأت بالفعل بإعادة تقييم تعاملاتها مع النفط الروسي، بينما التزمت الشركات الخاضعة للدولة الصمت، ويرى مراقبون أن القرار الأمريكي حوّل المسألة من نزاع سياسي بين الزعيمين إلى ضغط مباشر على المصالح الاقتصادية الهندية، بحيث يصبح الانسحاب من السوق الروسية قرارًا تجاريًا أكثر منه سياسيًا.
لكن في المقابل، يبقى المشهد معقدًا؛ فالهند التي توقفت سابقًا عن شراء النفط الفنزويلي والإيراني استجابةً لضغوط واشنطن، تجِد هذه المرة أن التراجع أمام ترامب مكلف سياسيًا، فبعد فرض رسوم جمركية أمريكية مضاعفة على السلع الهندية، وإجراءات أخرى اعتبرتها نيودلهي "مُهينة"، يصعب على مودي أن يظهر بمظهر من يرضخ للإملاءات الأمريكية.
ومع ذلك، يتفق محللون على أن الكلفة الاقتصادية لشراء النفط الروسي أصبحت تتجاوز الفائدة، خصوصًا مع تقلص الخصومات السعرية وازدياد صعوبة الشحن والدفع، ومع تصاعد المخاطر القانونية، قد تضطر نيودلهي إلى العودة تدريجيًا إلى نفط الشرق الأوسط، وهي عودة إلى "الأزمنة القديمة" كما وصفها أحد الخبراء.
وفي النهاية، يبدو أن العقوبات الأمريكية تفعل ما فشلت فيه الدبلوماسية: كسر الجمود بين واشنطن ونيودلهي، ودفع الهند نحو إعادة تموضع استراتيجي بين الشرق والغرب، في لحظة دقيقة من توازنات الطاقة والسياسة العالمية.