قال خبراء إن إطباق موسكو على مقاطعة كورسك الروسية، بعد الوصول إلى البلدة ما قبل الأخيرة -فيها التي لا تزال بقبضة قوات كييف- مسألة وقت.
وأضاف الخبراء أن "موسكو تعمدت تأجيل الحسم العسكري لصالح استغلال المعارك في تعزيز سيطرتها بمناطق أكثر أهمية، خاصة في المقاطعات الأربع التي ضمتها خلال العام الماضي داخل أوكرانيا".
وأوضحوا لـ"إرم نيوز" أن التوغل الأوكراني في كورسك صيف العام الماضي استغل ثغرة حدودية، حيث كانت المنطقة مؤمنة فقط بقوات حرس الحدود الروسية دون وجود قوات نظامية، وهو ما مكن القوات الأوكرانية من التقدم لمسافة محدودة".
وأشاروا إلى أن الرد الروسي كان متوقعًا منذ اللحظة الأولى، ونتائجه باتت واضحة مع اقتراب استعادة كامل المنطقة.
بداية، أكد رامي القليوبي، الأستاذ الزائر بكلية الاستشراق في المدرسة العليا للاقتصاد بموسكو، أن استعادة الجيش الروسي لمقاطعة كورسك مسألة وقت لا أكثر، خاصةً وأن موسكو اتخذت قرارًا استراتيجيًا بتأجيل الحسم العسكري، رغم قدرتها على استعادة المنطقة منذ أغسطس الماضي مع بداية التوغل الأوكراني.
وأوضح القليوبي، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن روسيا فضلت الاستفادة من انشغال القوات الأوكرانية بمعارك كورسك لتعزيز وجودها في المقاطعات الأربع التي أعلنت ضمها العام الماضي.
واعتبر أن السيطرة الأوكرانية على مناطق حدودية لا تحمل قيمة استراتيجية، باستثناء محطة «سوجيا» التي تم تدميرها وكانت تستخدم كممر لترانزيت الغاز.
وقال إن أوكرانيا تفتقر إلى أوراق ضغط حقيقية ضد موسكو، واستطرد قائلًا: «لو كانت كييف تملك ورقة فعالة، لكانت استخدمتها منذ فترة».
وأشار إلى أن المعركة الحقيقية بالنسبة لأوكرانيا تكمن في محاولة إضعاف روسيا من الداخل، غير أن تأثيرها محدود، بسبب سيطرة وسائل الإعلام الروسية على وعي الشارع، حيث لم يحظَ ملف كورسك بتغطية مكثفة في الإعلام الرسمي.
من جانبه، وصف د. نزار بوش، أستاذ العلوم السياسية بجامعة موسكو، الهجوم الأوكراني على منطقة كورسك الحدودية بأنه "مغامرة عسكرية بحتة"، وأن أوكرانيا استغلت وجود ثغرة أمنية على الحدود التي كانت المنطقة خاضعة لحراسة قوات الحدود الروسية فقط دون انتشار للقوات النظامية.
وأوضح بوش في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن القوات الأوكرانية تمكنت خلال هذا التوغل من التقدم لمسافة تجاوزت 15 كيلومترًا وبعرض يقارب 40 كيلومترًا، لكنه شدد على أن هذا الاختراق لم يكن ليُمرر دون رد، وأن موسكو كانت منذ البداية تخطط لحصار القوات الأوكرانية واستعادة السيطرة على المنطقة.
وأضاف أستاذ العلوم السياسية، أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي كان يعول على المقايضة بمقاطعة كورسك مقابل استعادة بعض المناطق الأوكرانية الواقعة تحت سيطرة روسيا، لكن حساباته كانت خاطئة.
وأشار إلى أن المعارك في تلك الجبهة كلّفت أوكرانيا أكثر من 70 ألف جندي، معظمهم من نخبة القوات الأوكرانية.
ولفت بوش إلى أن استعادة كورسك باتت مسألة وقت، حيث لم يتبق سوى بلدة واحدة لا تزال القوات الأوكرانية محاصرة داخلها، ومن المتوقع أن تنسحب منها قريبًا عبر ممر آمن توفره موسكو، أو أن يتم القضاء على ما تبقى من هذه القوات.
وأكد أن الجيش الروسي استعاد البلدة قبل الأخيرة في كورسك أمس، ويواصل التقدم على جبهة دونباس، وأن القوات الأوكرانية باتت في وضع دفاعي متراجع، بينما تكسب موسكو الأرض يومًا بعد يوم.
وحذر بوش من أن استمرار زيلينسكي في التعويل على تغير مواقف الغرب أو انتظار أي تحولات في سياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، سيكون خطأ استراتيجيًا سيدفع ثمنه بالمزيد من الخسائر على الأرض.
وختم بوش تصريحاته بالتأكيد على أن استعادة كورسك بالكامل ستتم قبل احتفالات عيد النصر، مشيرًا إلى أن هذا الإنجاز سيُشكّل "هدية للشعب الروسي" وسيعلنه الرئيس فلاديمير بوتين في خطابه المرتقب.
واعتبر الأستاذ في العلوم السياسية، أن خسارة أوكرانيا لهذه المنطقة تعني فقدانها لآخر ورقة ضغط في أي مفاوضات مقبلة؛ ما قد يضطرها للقبول بالشروط الروسية التي من المرجح أن تحظى بدعم الرئيس ترامب.