logo
العالم

هدنة على فوهة بركان.. كمبوديا وتايلاند في "سباق صامت" نحو مواجهة جديدة

حرب تايلاند وكمبودياالمصدر: إرم نيوز

رغم توقيع اتفاقية سلام في 26 أكتوبر/تشرين الأول 2025 على هامش قمة رابطة دول جنوب شرق آسيا في كوالالمبور، يظل النزاع الحدودي بين كمبوديا وتايلاند دون حل جذري. 

الصراع الذي امتد لعقود، ويعود جزئيًّا إلى غموض الحدود الموروثة من اتفاقية فرنسا–سيام عام 1907، قد يؤدي مجددًا إلى مواجهات عسكرية في أي وقت؛ بسبب غياب الترسيم الواضح وتصاعد التوترات الداخلية والسياسات الإقليمية الضعيفة، وفق مجلة "The Diplomat".

وعلى الرغم من تهدئة الوضع مؤقتًا بعد المواجهة العسكرية في يوليو/تموز التي أسفرت عن مقتل 42 شخصًا وتشريد أكثر من 300 ألف، فإن الاتفاق الحالي لا يعالج الأسباب الجوهرية للنزاع، ما يثير مخاوف من أن المنطقة مقبلة على دورة صراع جديدة إذا لم تُتخذ خطوات فعّالة ومستدامة.

هشاشة الاتفاق وأسباب استمرار النزاع

جاء الاتفاق الأخير بعد تصعيد عسكري دامٍ، إلا أن نقاط الخلاف الأساسية لم تُحلّ بشكل كامل. التفسيرات المتباينة للإعلان المشترك الصادر عن لجنة الحدود المشتركة في تشانثابوري أبرزت محدودية قدرة الطرفين على التوصل إلى توافق بشأن الترسيم الدقيق للحدود.

أخبار ذات علاقة

توقيع اتفاق السلام بين تايلاند وكمبوديا بحضور ترامب

ترامب يقتحم حديقة بكين الخلفية.. النفوذ الأمريكي يتمدد إلى كمبوديا

وبحسب المجلة، تبقى كمبوديا، الدولة الأصغر والأضعف اقتصاديًّا وعسكريًّا، عُرضة للضغوط من جارتها الأكبر، فيما تعكس السياسة الداخلية في تايلاند رغبة مستمرة في الحفاظ على التفوق الإقليمي والسيطرة على المناطق الحدودية. 

كما يترك ضعف الوساطة الإقليمية، خاصة من رابطة آسيان، وعدم قدرة المجتمع الدولي على فرض حل دائم، فراغ قوة يُملأ بالقوة العسكرية وقانون الأقوى، ما يجعل أي تهدئة مؤقتة عرضة للانهيار عند أول استفزاز.

أضف إلى ذلك أن النزاع ليس مجرد صراع حدودي تقليدي، بل يحمل أبعادًا سياسية داخلية؛ إذ يسعى كِلا البلدين إلى تعزيز مكانة قادتهما المحليين أمام الجمهور الوطني من خلال فرض نفوذ على الأراضي المتنازع عليها، وهو ما يجعل من الصعب الوصول إلى تسوية طويلة الأمد. 

وهذا يُفسر استمرار الاحتكاكات العسكرية حتى بعد توقيع اتفاقيات مؤقتة للسلام، ويجعل أي فترة تهدئة هشّة، تعتمد على حسن النوايا أكثر من الإطار القانوني أو العسكري.

تأثير السياسات الداخلية والفساد على النزاع

تلعب السياسة الداخلية في كمبوديا دورًا حاسمًا في استمرار النزاع وحدوثه بشكل متكرر. السلطة المركزية القوية التي يمارسها هون سين منذ عقود، ونظام الفساد المستشري، قلّصا من قدرة الحكومة على تجهيز قواتها بالموارد العسكرية اللازمة للتنافس مع تايلاند. 

أخبار ذات علاقة

راجمة صواريخ كمبودية قرب حدود تايلاند بعد اشتباكات تموز

حدود بلا حل.. كيف أفلتت أزمة تايلاند وكمبوديا من قبضة آسيان؟

يفتقر اللواء 70 التابع للقوات المسلحة الملكية الكمبودية، المسؤول عن الدفاع عن الحدود، إلى المعدات الحديثة، فيما يمتلك الجيش التايلاندي طائرات مقاتلة متعددة المهام من طراز JAS 39 Gripen، وهو ما يمنح بانكوك التفوق العسكري على الأرض.

إضافة إلى ذلك، ساهم انتشار الجريمة المنظمة والاحتيال المالي الدولي، بما في ذلك الأنشطة شبه المافياوية، في إضعاف مؤسسات الدولة، ما انعكس مباشرة على قدرة كمبوديا على مواجهة أي تصعيد عسكري أو حماية حدودها.

كما أن سياسة قمع حرية الصحافة والمعلومات أدت إلى تفوق الرواية التايلاندية إعلاميًا، ما أثر على الرأي العام الدولي وحرف الانتباه عن المعاناة الكمبودية، الأمر الذي يضاعف من هشاشة موقف كمبوديا على الساحة الإقليمية والدولية.

غياب الوساطة الدولية وتأثير القوى الكبرى

رغم خطورة التصعيد الحدودي، بقيت المبادرات الدولية لحل النزاع محدودة وذات أثر جزئي فقط. الولايات المتحدة، عبْر الرئيس ترامب، لعبت دورًا دبلوماسيًّا محدودًا في التوصل إلى وقف إطلاق النار الأولي والمشاركة في توقيع اتفاق السلام، إلا أن هذا الدعم لم يتعدَّ كونه وساطة رمزية دون معالجة العوامل الجوهرية للنزاع. 

مارست الصين، الشريك التجاري الأكبر لكمبوديا، ضغوطًا خفية على الطرفين لحل النزاع، لكنها لم تتحرك مباشرة لحماية كمبوديا أو تعزيز موقفها على الساحة الإقليمية.

دول أخرى مثل الهند واليابان والاتحاد الأوروبي، رغم امتلاكها الأدوات الدبلوماسية والتجارية، لم تُظهر قدرة على إطلاق مبادرة فعّالة ومستدامة.

أخبار ذات علاقة

ترامب مهنئاً بعد توقيع الاتفاق بين كمبوديا وتايلاند

"لحظة مهمة لشعوب آسيا".. ترامب يرعى اتفاق سلام بين كمبوديا وتايلاند

غياب دعم دولي ملموس جعل كمبوديا تواجه النزاع وحدها، وهو ما يزيد من احتمالية تجدد الصراع عند أي استفزاز محدود أو تصعيد من تايلاند. 

كما أن التركيز الدولي على صراعات بعيدة مثل الشرق الأوسط وأوكرانيا حدّ من اهتمام القوى الكبرى بالنزاع الكمبودي–التايلاندي، ما ترك البلاد في موقف ضعف واضح على جميع الأصعدة: السياسية، العسكرية، والدبلوماسية.

يمثل النزاع الحدودي بين كمبوديا وتايلاند نموذجًا واضحًا لكيفية تأثير السياسة الداخلية، الفساد، ضعف المؤسسات، والغياب الدولي على الأمن الإقليمي. 

اتفاق السلام الأخير خطوة إيجابية لكنها مؤقتة وهشة، إذ لا تعالج جذور النزاع أو الفجوة الكبيرة في القوة بين الدولتين؛ ودون إصلاحات داخلية، تعزيز القدرات الدفاعية، ودور دولي مستدام وفعّال، يبدو أن تجدد النزاع مسألة وقت فقط، ما يعيد المنطقة إلى دائرة الصراع المتكرر والتهديد المستمر لاستقرار جنوب شرق آسيا.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC