توقع خبراء أن تواجه الحكومة الألمانية الجديدة تحديات "معقدة" في التعامل مع روسيا، على أثر سياسات حزب "البديل من أجل ألمانيا" الذي يقود اليمين المتشدد؛ ما يزيد التوترات السياسية الداخلية، ويؤثر في التحالفات الدولية لبرلين.
وأوضحوا في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن "البديل" الذي حقق نتائج إيجابية ومؤثرة في الانتخابات الأخيرة، وله وجود قوي بالبرلمان الألماني "البوندستاغ" كونه صاحب ثاني أكبر كتلة نيابية بالمجلس، يتبنى نهجًا داعمًا لروسيا، مرورًا بمعارضته العقوبات الاقتصادية الأوروبية المفروضة على موسكو.
ولفتوا إلى أن الحضور السياسي القوي لـ"البديل" جعله صاحب تأثير في القرار السياسي في ظل عدم رضاه عن دعم برلين لأوكرانيا في الحرب الدائرة مع روسيا، وذلك في الوقت الذي يمتلك فيه أوراقًا يستطيع اللعب بها في السياسة العالمية أكثر بكثير من الحكومة القادمة في برلين؛ ما يجعله خصمًا لها، ولا سيما في ظل علاقته مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وروسيا.
ولاء لموسكو
وتتصاعد المخاوف في أوساط ألمانية من أن يربك "البديل" الموقف الألماني تجاه الحرب في أوكرانيا بالضغط على الحكومة الجديدة التي تجهز أوراق عملها، وأن يكون سببًا في توتر أدائها في ظل قيادة برلين للأوروبيين في مواجهة الروس في أوكرانيا.
وتزامن ذلك مع ما تردد مؤخرًا من مخاوف من تحوّل نواب منتمين لـ"البديل" إلى "جواسيس" ينقلون معلومات تخص روسيا في حال انضمام أعضاء من الحزب لتشكيل لجنة الاستخبارات بالبرلمان، وذلك بحسب ما جاء مؤخرًا على لسان نواب مخضرمين في هذه اللجنة محسوبين على أحزاب "المسيحي الديمقراطي" و"الاشتراكي" لوسائل إعلام ألمانية، وذلك بعد أن رفض انتخاب نواب من "البديل" في الدورة البرلمانية السابقة داخل هذه اللجنة.
ويعتقد الخبير في العلاقات الدولية، الدكتور عبد المسيح الشامي، أن "البديل" يتماهي مع الموقف الروسي فيما يتعلق بالكثير من القضايا، ولا سيما الخاصة بالسياسات الأوروبية، وصولًا إلى تغيير النهج التاريخي التقليدي الألماني من موسكو، الذي تشكل بعد الحرب العالمية الثانية، بالإضافة إلى التوافق في كثير من القضايا الثقافية والاجتماعية مع روسيا على حساب الداخل الألماني.
تحوّلات كبرى
وأضاف الشامي في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن الحضور السياسي القوي لـ"البديل" في البرلمان الألماني يجعله صاحب تأثير في القرار السياسي، في ظل عدم رضاه عن دعم برلين للجانب الأوكراني في الحرب الدائرة مع الروس، بالتزامن مع رفضه للعلاقة السائدة في العقود الأخيرة بين ألمانيا والولايات المتحدة، التي تغيرت مؤخرًا؛ ما جعله يظهر تقاربه كحزب وتوجه سياسي مع إدارة الرئيس ترامب على عكس برلين حاليًّا، وفي الوقت ذاته، يعمل على التوافق والتقارب من روسيا.
وبيّن الشامي أن موقف "البديل" اليوم ذو أهمية وتأثير أكبر مقارنة بالسابق، ويكاد يكون أقوى من موقف الحكومة ذاتها، وللمرة الأولى من الممكن أن يكون هناك حزب معارض له موقف مؤثر على الصعيد الدولي والأوروبي أكثر من موقف الحكومة ذاتها.
وتابع الشامي، أن أوروبا اليوم وخصوصًا ألمانيا تعاني تحولات كبرى بالمواقف وأزمة الثقة، لافتًا إلى أن التوتر القائم بين أمريكا من جهة، وأوروبا وألمانيا من جهة أخرى، له انعكاسات وتأثيرات يستغلها "البديل" جيدًا.
وأردف أن لـ"البديل" أوراقًا يستطيع اللعب بها في السياسة العالمية أكثر بكثير من الحكومة الحالية، في ظل علاقته مع ترامب ومع روسيا، وبالتالي لا شك أنه سيكون خصمًا معارضًا للحكومة القادمة، وحضوره كشريك في البرلمان صعب التعاطي معه، وهناك تناقض كبير بينه وبين الحكومة المنتظرة في برلين.
شوكة في الظهر
فيما يرى الباحث في الشؤون الأوروبية والشأن الألماني، حسين رضوان، أن حزب "البديل من أجل ألمانيا" والمعروف بمواقفه المثيرة للجدل، يتبنى نهجًا داعمًا لروسيا في سياق برنامجه الانتخابي لعام 2025، مرورًا بمعارضته العقوبات الاقتصادية الأوروبية المفروضة على موسكو، ويشجع على إقامة علاقات مبنية على المصالح المشتركة مع القوى العالمية، بما في ذلك روسيا.
ويقول رضوان في تصريحات لـ"إرم نيوز"، إن هذه المواقف تتناقض مع السياسة الألمانية التقليدية التي تدعم العقوبات الأوروبية على موسكو وتنتقد العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا؛ ما يجعل الحزب اليميني المتشدد "شوكة في ظهر" ألمانيا.
ويرى رضوان، أنه في ضوء هذه المواقف، هناك قلق متزايد من أن يؤثر "البديل" في السياسة الخارجية الألمانية، خاصة إذا تمكّن من كسب نفوذ أكبر في البرلمان الألماني خلال الفترة المقبلة.
وذكر رضوان أن هذا التأثير المحتمل قد يعقّد موقف الحكومة الألمانية تجاه روسيا، ويضعها في موقف صعب، حيث يمكن أن يزيد التوترات السياسية الداخلية، ويؤثر في التحالفات الدولية لألمانيا.
وتابع أنه رغم أن "البديل" لم ينجح في إدراج إدانة للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا في برنامجه، فإن اقتراحات مثل هذه تشير إلى وجود انقسامات داخل الحزب نفسه حول الموقف من روسيا، لذلك فإن الحكومة الجديدة قد تواجه تحديات في التعامل مع هذه السياسة المعقدة وأثرها المحتمل.