تحتاج الولايات المتحدة إلى تحالف آسيوي جديد لمواجهة الصين، فيما تسعى الأخيرة إلى الاستيلاء على تايوان، والسيطرة على بحر الصين الجنوبي، وإضعاف التحالفات الأمريكية، وفي نهاية المطاف الهيمنة على المنطقة.
وبحسب تقرير لمجلة "فورن أفيرز"، حان الوقت للولايات المتحدة لبناء حلف دفاعي جماعي في آسيا، حلف دفاع المحيط الهادئ.
وفي حين أن هذا الحلف لم يكن، لعقود، ممكنًا ولا ضروريًا. أما اليوم، وفي مواجهة التهديد الصيني المتزايد، فهو قابل للتطبيق وضروري.
وذكرت المجلة أنه، على الرغم من أن حلفاء أمريكا في المنطقة يستثمرون بالفعل في دفاعاتهم الخاصة ويُرسّخون روابط عسكرية أعمق، لكن دون التزام قوي بالدفاع الجماعي، فإن منطقة المحيطين الهندي والهادئ تسير على طريق عدم الاستقرار والصراع.
وأضافت أنه بغض النظر عن التحولات التكتيكية، فإن طموحات بكين الجيوسياسية في "التجديد الشامل للأمة الصينية" لا تزال قائمة. "وفي حين تسعى الصين إلى الاستيلاء على تايوان، والسيطرة على بحر الصين الجنوبي، وإضعاف التحالفات الأمريكية، وفي نهاية المطاف الهيمنة على المنطقة، فإذا نجحت، فستكون النتيجة نظامًا تقوده الصين، يُنزل الولايات المتحدة إلى مصاف قوة قارية متضائلة؛ أقل ازدهارًا، وأقل أمنًا، وغير قادرة على الوصول الكامل إلى أهم أسواق وتقنيات العالم أو قيادتها".
وتابعت أن تعزيز هذه الشكوك، المتعلقة بتايوان، وكذلك بأهداف محتملة أخرى في المنطقة، ينبغي أن يكون من أهم أولويات السياسة الخارجية الأمريكية. ويتطلب إقناع بكين بأن أي هجوم سيكون في النهاية بتكلفة باهظة.
وفي حين استثمرت الولايات المتحدة في قدرات عسكرية متطورة وطوّرت مفاهيم عملياتية جديدة، ونقلت قوات عسكرية أكثر قدرة على الحركة وأكثر فتكًا إلى مواقع استراتيجية في جميع أنحاء آسيا، وبينما يُمثل النهج الجديد، الأكثر تعدديةً، خطوةً حاسمةً نحو ردعٍ أقوى، لكن المبادرات الدفاعية التي نتجت عنه لا تزال غير رسمية وبدائية للغاية، بحسب المجلة.
"وفي مواجهة التحديث العسكري الصيني المستمر، يتطلب الردع الحقيقي الإرادة والقدرة اللتين لا يمكن أن يوفرهما إلا ترتيب دفاعي جماعي".
وأشارت المجلة إلى أنها ليست هذه المرة الأولى التي تواجه فيها واشنطن مسألة كيفية تصميم شراكاتها الأمنية في آسيا؛ فبعد الحرب العالمية الثانية، أنشأت الولايات المتحدة شبكة من التحالفات في المنطقة، على أمل كبح جماح التوسع السوفيتي، وترسيخ وجودها العسكري، لا سيما في شرق آسيا، والحد من التوترات الداخلية بين شركائها.
وفي حين خدمت هذه الشبكة، المكونة من ترتيبات أمنية منفصلة مع أستراليا ونيوزيلندا واليابان والفلبين وكوريا الجنوبية وتايوان وتايلاند، شعوبها بشكل جيد، عزلت أيضًا مساحات شاسعة من منطقة المحيطين الهندي والهادئ عن صراع القوى العظمى، مما هيأ الظروف لعقود من النمو الاقتصادي الملحوظ.
وأردفت المجلة أن إصرار الصين على النفوذ في منطقة المحيطين الهندي والهادئ يُشيع شعورًا بانعدام الأمن، لا سيما مع اعتماد قادة بكين على الجيش كأداة محورية لتحقيق أهدافهم التعديلية.
وقالت إن اليابان والفلبين وأستراليا لم تكتفِ بإدراك أن الصين تُمثل تهديدًا رئيسيًا ومشتركًا لها؛ بل باتت تُقرّ أيضًا بشكل متزايد بأن مصائرها متشابكة مع المنطقة الأوسع.
وكما أدى الرأي القائل بأن العدوان الصيني ستكون له عواقب وخيمة على دول منطقة المحيطين الهندي والهادئ إلى تعميق غير مسبوق للشراكات الأمنية بين أستراليا واليابان والفلبين وقوى إقليمية أخرى.
وخلُصت المجلة إلى أن الدفاع الجماعي يتعلق بمسائل السيادة والالتزامات التعاهدية، وهي قضايا سياسية عميقة تتطلب مفاوضات مكثفة ودبلوماسية بارعة؛ وسيزداد هذا الأمر صعوبةً إذا مضت إدارة ترامب قدمًا في فرض رسوم جمركية عقابية أو إجراءات أخرى تُرهق تحالفات واشنطن في المنطقة.
وفي حين تشير الأدلة حتى الآن إلى أن الولايات المتحدة وحلفاءها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ ينجحون في تعميق التعاون الدفاعي على الرغم من الرياح السياسية والاقتصادية المعاكسة، ويحتاج القادة في كانبيرا ومانيلا وطوكيو إلى كسب تأييد شعوبهم المحلية.
وبينما يمكن للولايات المتحدة، بعيدًا عن الحجج الاستراتيجية حول الردع والأمن القومي، دعم هذه المحادثات من خلال تسليط الضوء على الفوائد المحتملة التي تعود على حلفائها من هذه الاتفاقية، ينبغي على واشنطن أيضاً أن تكون مستعدة للتعامل مع ردود أفعال ومخاوف الآخرين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
وكما ينبغي أن يظل تركيز الميثاق على الدفاع بدلاً من إخضاع أو تولي الأدوار الاقتصادية والدبلوماسية لمؤسسات مهمة أخرى.
وعلى الرغم من أنه لن يكون سهلًا عقد تحالفات ترقى إلى حجم التحدي الصيني، لكن التقدم الكبير الذي أحرزه حلفاء واشنطن بالفعل لم يكن سهلًا أيضًا، ليس فقط في الاعتراف بالتهديد الصيني، ولكن أيضًا في اتخاذ خطوات غير مسبوقة للاستثمار في جيوشهم، وبناء علاقات مع جيرانهم، ومضاعفة تحالفاتهم مع الولايات المتحدة.
وختمت المجلة بالإشارة إلى أنه بينما اتخذت أستراليا واليابان والفلبين خطواتٍ في مسائل الدفاع والأمن كانت تُعد في السابق مستحيلة، أصبحت الظروف مهيأة الآن لقيادة قوية لتحويل ميثاق الدفاع الجماعي في آسيا من أمرٍ كان مستحيلاً في السابق إلى سمةٍ أساسيةٍ لسلام المنطقة وازدهارها في المستقبل.