في أبريل 2025، أطلقت الحكومة الفيدرالية الأمريكية موردًا بعنوان "تسريبات المختبر"، مؤكدة أن الأصل "الحقيقي" لفيروس كورونا كان من مختبر في معهد ووهان لعلم الفيروسات في الصين، مع إزالة الموارد القديمة التي كانت توجه المستخدمين إلى مرافق الرعاية الصحية.
وتعكس هذه الخطوة إدراك واشنطن المتزايد للصين كتهديد مستمر ومنهجي، يمتد حتى إلى مجال الأمن البيولوجي، كما ظهر جليًا في رد الإدارة الأمريكية على جائحة كوفيد-19، بحسب مجلة "أوراسيا ريفيو".
وتشكل هذه الديناميكية بالنسبة للهند، تهديدات محتملة للأمن البيولوجي، بالنظر إلى حدودها المشتركة مع دولة مثيرة للجدل بشدة في هذا المجال، لكنها في الوقت نفسه تتيح فرصًا للتعاون مع الولايات المتحدة لتعزيز نفوذها العالمي في التكنولوجيا الحيوية.
وفي يونيو 2025، ألقت هيئة حماية الحدود الأمريكية القبض على تشنغ شوان هان، طالب دكتوراه من ووهان، في مطار ديترويت متروبوليتان لنقله مواد بيولوجية غير مُصرّح بها إلى الولايات المتحدة.
وتضمنت المواد عينات مرتبطة بالديدان الأسطوانية الطفيلية، التي قد تؤثر على الصحة العامة والأمن الزراعي، وتم إرسال طرود إضافية إلى جامعة ميشيغان قبل الاعتقال.
تأتي هذه الحادثة في سياق نمط أوسع من تهريب المواد البيولوجية المرتبطة بمختبرات ووهان، حيث تم احتجاز آخرين في نفس الشهر لنقل مواد مرتبطة بفطر الفيوزاريوم غرامينيروم، ممرض معروف بدوره في مرض اللفحة الفطرية للقمح والشعير.
وقد اعتبر مسؤولو الأمن الأمريكيون هذه الحالات مؤشرات على احتمال وجود أبحاث بيولوجية سرية مدعومة من الدولة، تهدد الأمن الغذائي الوطني.
وأكد مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، كاش باتيل، أن هذه الأحداث تشكل جزءًا من سياق أوسع من أنشطة البحث البيولوجي غير المصرح بها، رغم أن النوايا الحقيقية لا تزال قيد التحقيق.
وقد دفعت هذه الحوادث وزارة الأمن الداخلي والمعاهد الوطنية للصحة وإدارة FBI إلى مراجعة ضوابط دخول المختبرات وتوسيع إجراءات فحص الباحثين الأجانب، ما يعكس التحدي في تحقيق توازن بين الأمن القومي والحرية العلمية.
لم يقتصر القلق الأمريكي على تهريب المواد البيولوجية، بل امتد إلى المخدرات الكيميائية، حيث تحولت أزمة المواد الأفيونية في الولايات المتحدة إلى حالة طوارئ وطنية.
وخلال عام 2023، ارتبط الفنتانيل بـ 75 ألف حالة وفاة، ما يعكس قوة الدواء وتعقيد سلاسل التوريد الدولية، حيث حددت الولايات المتحدة الصين كأحد أكبر مصادر الفنتانيل قبل 2021.
ومع فرض ضوابط صارمة على السلائف الكيميائية وعقوبات ضد أفراد وشركات، تحرك المصنعون الصينيون لتكييف عملياتهم، مع استمرار شبكات التهريب الدولية، بما في ذلك مشاركات ثانوية من الهند.
ولم يتم حظر نيتازين، سلائف الفنتانيل، من قبل الصين أو الهند، وغالبًا ما تُجرى هذه الصفقات عبر منصات إلكترونية وخدمات رسائل مشفرة، مما يزيد صعوبة تتبعها.
بينما في 2024-2025، رُبطت شركات في ووهان وهندية بتهريب مواد أولية للفنتانيل إلى الولايات المتحدة، مما دفع واشنطن لفرض ضوابط تصدير أكثر صرامة.
ورغم عدم وجود دليل مباشر على تواطؤ بكين، فإن تجاهلها المتكرر للمخاوف الأمريكية عزز انعدام الثقة بين الطرفين، ما دفع الولايات المتحدة لإعادة تقييم علاقاتها مع الصين في مجالات الأمن البيولوجي والمخدرات والكيماويات.
تقدر قيمة الاقتصاد الحيوي الصيني بحوالي 3.28 تريليون دولار (2021-2025)، ويُنظر إليه كتهديد عالمي محتمل، خاصة مع استثمارات بكين الضخمة في تسلسل الجينوم، والمعلومات الصحية، والتصنيع الحيوي.
ويخشى صانعو السياسات الأمريكيون من استخدام الصين لسيطرتها على الأدوية والبيانات الصحية للضغط على سلاسل التوريد، كما حدث سابقًا مع المعادن الأرضية النادرة.
ويشير تقييم استخبارات الدفاع 2025 إلى أن الصين تعد من الجهات الأكثر تجهيزًا للتهديدات البيولوجية، ليس فقط بمواردها، بل أيضًا بوجود جهات غير حكومية تشكل تهديدًا محتملًا.
كما تُعد شبكات تهريب الفنتانيل القادمة من الصين أحد أبرز التهديدات للأمن القومي الأمريكي، مساوية أو أكبر من عصابات المخدرات التقليدية، ما يزيد تعقيد الدبلوماسية وتطبيق القانون.
وقد دعا بعض الخبراء، مثل غوردون تشانغ، إلى فصل الولايات المتحدة عن الصين بسبب التهديدات البيولوجية المحتملة، رغم أن التركيز الأكبر هو تعزيز المرونة المحلية عبر إنشاء هيكل وطني للأمن البيولوجي يشمل سلاسل توريد الأدوية، والدفاع الزراعي، وإدارة البيانات.
التوترات المتزايدة بين الولايات المتحدة والصين في الأمن البيولوجي والكيميائي لها انعكاسات مباشرة على الهند، منها ضغط التوافق الاستراتيجي، حيث تدفع يقظة واشنطن الهند نحو مجال الاستراتيجية الأمريكية، بما يشمل التعاون في الأمن الحيوي وسلاسل توريد الأدوية والبنية التحتية.
كما يمكن للهند استغلال الفرصة لتعزيز إنتاج المواد الكيميائية الأولية وشراكات التجارة الثنائية المسؤولة، بعيدًا عن المخاطر المرتبطة بالمخدرات غير المشروعة.
وقد تواجه الهند رقابة دولية إضافية على صادراتها الكيميائية والدوائية، مما يستدعي تعزيز معايير السلامة، وحماية أمن المختبرات، وإنشاء أطر قوية لحوكمة البيانات الجينومية.
وتتيح هذه البيئة فرصة للهند لتبرز كبديل موثوق للهيمنة الصينية في التكنولوجيا الحيوية والأدوية.
لم تعد الولايات المتحدة ترى صعود الصين في الأمن البيولوجي والكيميائي مجرد منافسة ابتكارية؛ بل تُصنّفه تهديدًا هجينًا متعدد الأوجه.
ويشير التداخل بين الأمن البيولوجي والأمن القومي إلى دخول العالم حقبة جديدة من المنافسة الاستراتيجية.
وفي هذا السياق، يمكن للهند استغلال الفراغ المتولد لتعزيز أمنها البيولوجي الوطني والمساهمة في تلبية الاحتياجات العالمية للأمن البيولوجي والأدوية والمواد الكيميائية.