logo
العالم

استقلال أم تمرد؟.. فرنسا ترسم حدودها وترفض طائرات الشبح الأمريكية

طائرة مقاتلة فرنسية من طراز رافالالمصدر: رويترز

رفضت فرنسا، التي تسعى للحفاظ على استقلاليتها الدفاعية، شراء طائرات الشبح الأمريكية إف-35 لايتنينج 2 على عكس معظم حلفائها الأوروبيين، مؤكدة أولوياتها الوطنية والصناعية وعلى تاريخها الطويل في تطوير أسلحة محلية تحافظ على السيادة الإستراتيجية الفرنسية.

وتتسم العلاقة بين  فرنسا والولايات المتحدة بالتعقيد، إذ تجمع بين التعاون في حلف شمال الأطلسي "الناتو" والتنافس الإستراتيجي. 

الاستقلال الإستراتيجي الفرنسي

لطالما شكّل الاستقلال الإستراتيجي حجر الزاوية في السياسة الدفاعية الفرنسية. يعود ذلك إلى عهد الرئيس شارل ديغول في ستينيات القرن الماضي، عندما انسحبت فرنسا من القيادة العسكرية الموحدة لحلف الناتو في 1966، احتجاجًا على الهيمنة الأمريكية داخل الحلف. 

كان هدف ديغول واضحًا: حماية السيادة الفرنسية وضمان أن تخضع القوات الفرنسية للقيادة الوطنية، مع الاحتفاظ بالحق في سياسة نووية مستقلة.

استمر هذا التقليد حتى اليوم، مع تحديثات مستمرة في الردع النووي الفرنسي تحت قيادة الرئيس إيمانويل ماكرون. 

أخبار ذات علاقة

مستشار الأمن القومي الأمريكي مايك والتز

واشنطن تتعهد الدفاع عن "كل شبر من أراضي الناتو" بمواجهة روسيا

ففي مارس/آذار 2025، شدّد ماكرون على أن "ردعنا النووي يحمينا، فهو كامل، وسيادي، وفرنسي بالكامل".

تُعد فرنسا إحدى ثلاث دول فقط في الناتو تمتلك أسلحة نووية، بجانب الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، إلا أن برنامجها النووي بقي مستقلًّا بالكامل، دون ارتباط مباشر بالأنظمة الأمريكية أو البريطانية.

توضح هذه الخلفية التاريخية جزئيًّا سبب رفض فرنسا تبني مقاتلات إف-35 الأمريكية، إذ تعتبرها باريس وسيلة لفرض النفوذ الأمريكي على سياساتها الدفاعية، وهو ما يتعارض مع فلسفة الاستقلال الإستراتيجي الفرنسية التي حافظت عليها لعقود.

الاعتبارات الإستراتيجية والاقتصادية

ويعود القرار الفرنسي بعدم شراء طائرات الشبح الأمريكية إلى مزيج من الفخر الوطني، والاعتماد على الصناعة المحلية، والرغبة في الحفاظ على الاستقلال الإستراتيجي.

وكان شراء طائرات أمريكية سيضع فرنسا تحت تبعية سلاسل التوريد الأمريكية، وقيود الصيانة، ومتطلبات مشاركة البيانات التشغيلية الحساسة؛ ما يحد من مرونتها التشغيلية.

أخبار ذات علاقة

مقاتلات ميغ 31 الروسية

رسائل الردع الجوي تهز أوروبا.. روسيا تتحدى "الناتو" في سماء البلطيق

اقتصاديًّا، فإن صناعة الطيران والفضاء الفرنسية، بقيادة شركتي داسو للطيران وإيرباص، توفر آلاف الوظائف وتدرّ إيرادات ضخمة.

وقد سمح الاستثمار في طائرات رافال بإنشاء نظام بيئي متكامل من المهندسين والموردين والخبرات؛ ما يجعل الاعتماد على الواردات الأمريكية غير ضروري. ومن خلال تطوير طائرات ميراج 2000 ورافال، أثبتت فرنسا قدرتها على إنتاج مقاتلات متقدمة عالميًّا، وهو ما يعزز استقلالية الصناعة الوطنية ويزيد قدرة فرنسا على تصدير أسلحتها وفق سياستها الخاصة.

علاوة على ذلك، تخضع برامج إف-35 لضوابط تصدير صارمة، تتعلق بالترقيات والأنظمة والتعديلات، وهو ما يتعارض مع متطلبات فرنسا، التي ترغب في التحكم الكامل بمنصاتها القتالية.

ويعكس القرار الفرنسي بالاعتماد على رافال إستراتيجية طويلة الأمد للحفاظ على السيادة التكنولوجية، مع الحد من أي تبعية للولايات المتحدة، حتى في إطار التعاون ضمن الناتو.

التعاون الأوروبي والمستقبل الدفاعي

بينما تواصل فرنسا تعزيز استقلالها، تحاول أيضًا قيادة جهود التعاون الدفاعي الأوروبي. فقد شاركت في مشاريع مثل يوروفايتر تايفون ونظام القتال الجوي المستقبلي (FCAS) مع ألمانيا وإسبانيا، سعيًا لتعزيز التكامل العسكري الأوروبي بعيدًا عن السيطرة الأمريكية.

أخبار ذات علاقة

نموذج لـ (SCAF)

بين باريس وبرلين.. أزمة صامتة تهدد بنسف مشروع المقاتلة الأوروبية المشتركة

تطوير محركات الجيل القادم

لكن التعاون الأوروبي لا يخلو من التوترات، إذ تواجه شركات مثل داسو للطيران (فرنسا) خلافات مع إيرباص (ألمانيا وإسبانيا) حول قيادة المشروع وتوزيع العمل، خاصة في ما يتعلق بتطوير محركات الجيل القادم والتحكم في أنظمة الطائرة. 

وقد أكد إريك ترابييه، الرئيس التنفيذي لشركة داسو، أن شركته تمتلك الخبرة اللازمة لتطوير المحرك الجديد، مفضلًا قيادة فرنسا للمشروع، في حين تدفع إيرباص نحو تقسيم أكثر توازنًا.

أدى هذا الخلاف إلى توترات بين برلين وباريس، مع احتمال أن تبحث ألمانيا عن شريك بديل أو الذهاب بمفردها في حال استمرار التعثر.

ومع ذلك، تعتبر فرنسا موقفها التاريخي والمستقبلي في مشاريع الدفاع الجوي الأوروبي جزءًا من إستراتيجيتها لتعزيز مكانتها كقوة أوروبية مستقلة، مع الاستمرار في تطوير منصاتها الخاصة لتظل قادرة على العمل بحرية، سواء على الصعيد الوطني أو في إطار التعاون الأوروبي.

فلسفة إستراتيجية طويلة الأمد

يشار إلى أن رفض فرنسا شراء طائرات إف-35 الأمريكية ليس مجرد مسألة تقنية أو مالية، بل يعكس فلسفة إستراتيجية طويلة الأمد ترتكز على الاستقلالية الدفاعية، وحماية السيادة، وتعزيز الصناعة الوطنية.

ومن خلال الاعتماد على رافال، تمكنت فرنسا من الحفاظ على مرونتها التشغيلية، وتقوية صناعتها المحلية، وتقليل التبعية للولايات المتحدة، حتى ضمن حلف الناتو.

كما يظهر القرار الفرنسي في سياق أكبر من التعاون الأوروبي، حيث تسعى باريس لقيادة مشاريع مشتركة مثل FCAS لتعزيز الأمن الدفاعي للقارة، مع الحفاظ على حرية القرار الوطني. 

وهذه السياسات تضع فرنسا في موقع القوة والريادة في أوروبا، وتؤكد أن الاستقلال الإستراتيجي والسيادة الوطنية سيظلان محور السياسة الدفاعية الفرنسية لعقود قادمة، حتى في مواجهة النفوذ الأمريكي والمنافسة الأوروبية الداخلية.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC