في خطوة تعكس تصاعد التنافس الجيوسياسي على الملف النووي الإيراني، يلتقي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بنظيره الإيراني مسعود بزشكيان، بعد غد الاثنين، في مشهد يبدو أقرب إلى إعادة توزيع للأدوار بين موسكو وبكين على حساب الترويكا الأوروبية، فيما كشف دبلوماسي روسي رفيع المستوى، في تصريح لـ«إرم نيوز»، تفاصيل أجندة اللقاء بين بوتين وبزشكيان، قائلا: إنها «واضحة ومكثفة».
وتشمل الأجندة، بحسب الدبلوماسي، "بحث مستقبل البرنامج النووي الإيراني ومسار المفاوضات مع الترويكا الأوروبية، إلى جانب قضايا الأمن الإقليمي من الخليج حتى شرق المتوسط".
ويأتي اللقاء في توقيت بالغ الحساسية، إذ تتعثر المفاوضات بين طهران والدول الأوروبية، في وقتٍ تسعى فيه الصين لتكريس نفسها كقطب بديل قادر على إدارة الملفات الدولية الأكثر تعقيدًا.
وأشار الدبلوماسي إلى أن موسكو ستطرح صيغة محدثة تقوم على مبدأ «خطوة مقابل خطوة»، بحيث تقدم طهران قيودا فنية قابلة للتحقق على أنشطة التخصيب مقابل تخفيفات انتقائية في العقوبات غير الأمريكية مع حزمة دعم اقتصادي وتقني روسي - صيني.
وأضاف الدبلوماسي الروسي، أن انعقاد اللقاء في بكين يعكس الدور الصاعد للصين خاصة وأنها لم تعد تكتفي بصورة الوسيط السياسي، بل تسعى إلى ربط الملف النووي بمبادراتها الكبرى مثل الحزام والطريق والبريكس، مشيرًا إلى أن بكين قد تتحول إلى ضامن اقتصادي وسياسي يقدم بدائل عملية عن المنصات الغربية التقليدية.
وأكد الدبلوماسي أن هذا المسار بالفعل سوف يزيد من التوتر مع الترويكا الأوروبية، لافتًا إلى أن أوروبا ستجد نفسها مهمّشة في حال مضت طهران نحو تعميق شراكتها مع المحور الروسي الصيني، خاصة وأنه يقلص من أدوات الضغط الأوروبي ويجعل طهران أقل اعتمادًا على قنوات بروكسل.
ورجّح المصدر الروسي بلورة تفاهم ثلاثي روسي صيني إيراني يضع سقفا للتخصيب مقابل حزمة استثمارات وممرات تصدير للطاقة. وأوضح أن هناك خيارات مطروحة ردا على التوقعات والتصعيد أوروبي بالعقوبات التي يقابلها تعزيز المقايضة بالعملات المحلية، أو العودة إلى محادثات تقنية برعاية صينية.
وقال الدبلوماسي الروسي، إن المعادلة الجديدة واضحة، بكين ستكون المسرع الاقتصادي، وموسكو الميسر الأمني، وطهران سيكون أمامها خياران لا ثالث لهما، إما مكاسب تدريجية عبر شراكات آسيوية، أو عزلة غربية أشد تُقابلها بدائل بديلة في الشرق.
وفي هذا السياق، قال د. سمير أيوب، المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية، إن توتر العلاقات بين إيران والدول الأوروبية الموقعة على الاتفاق النووي السابق يصب بشكل مباشر في مصلحة موسكو.
وأشار أيوب في تصريح لـ«إرم نيوز»، إلى أن هذا التوتر يدفع طهران إلى تطوير شراكتها مع روسيا، خاصة بعد تهديدات أوروبية بتفعيل آلية «تسوية النزاعات» التي قد تعيد العقوبات الدولية القاسية قبل عام 2015.
وشدد على أن دوافع أوروبا لا ترتبط فقط بالملف النووي، بل كذلك بتنامي التحالف الروسي–الإيراني، الذي تعتبره الدول الأوروبية عامل إضعاف مباشر لنفوذها في أوكرانيا والمنطقة.
وأضاف المحلل السياسي، أن أي حصار اقتصادي جديد على إيران قد يدفعها إلى ردود قاسية مثل تهديد الملاحة في مضيق هرمز، وهو تطور ستكون له انعكاسات مدمرة على سوق الطاقة العالمي، بما يمنح روسيا مكاسب غير مباشرة.
من جانبه، يرى د. آصف ملحم، مدير مركز «جي إس إم» للأبحاث في موسكو، أن اللقاء في بكين يتجاوز حدود الملف النووي إلى صراع جيوسياسي أكبر، حيث تتداخل ملفات الشرق الأوسط والقوقاز وآسيا الوسطى كساحات مواجهة بين الغرب من جهة، والتحالف الروسي الصيني من جهة أخرى.
وذكر ملحم، أن بوتين وقّع مطلع 2025 اتفاقية التعاون الاستراتيجي الشاملة مع إيران، وهي وثيقة اعتبرها أساسًا لشراكة واسعة لا تقتصر على الاقتصاد، بل تشمل أيضًا مجالات عسكرية متقدمة مثل الطائرات المسيّرة ومنظومات الدفاع الجوي.
وأوضح أن الحملة الإعلامية الإيرانية الأخيرة التي انتقدت الموقف الروسي كانت في جوهرها أداة تفاوضية، لكن الحقائق الاستراتيجية تكشف عن تنسيق متنامٍ من الصعب فكه.
وأضاف المحلل السياسي، أن الصين ستكون ساحة الحسم المقبلة، فهي تضيف إلى الشراكة الروسية الإيرانية بُعدًا اقتصاديًا واستراتيجيًا يعزز خيارات طهران في مواجهة الضغوط الغربية.
وأشار إلى أنه في الوقت الذي تحاول فيه أوروبا إعادة فرض العقوبات وتشديد الرقابة، تسعى روسيا وإيران مدعومتين بالصين وربما الهند لفتح الطريق أمام تحالف آسيوي قادر على تغيير قواعد اللعبة ليس فقط في الملف النووي، بل في توازنات النظام الدولي برمته.