logo
المغرب العربي

القيادة المركزية الأمريكية في إسرائيل.. تنسيق أم وصاية عسكرية؟

نتنياهو في مركز التنسيق المدني العسكري (CMCC)المصدر: تايمز أوف إسرائيل

جاءت زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى مركز التنسيق الأمريكي في كريات جات لتكشف توازنًا دقيقًا بين الشراكة الأمنية العميقة مع واشنطن، والقلق الإسرائيلي من تآكل الاستقلال العسكري.

فبينما تعزز الولايات المتحدة حضورها الميداني لمراقبة وقف إطلاق النار في غزة، يرى مراقبون أن هذا التعاون غير المسبوق يضع إسرائيل أمام معضلة جديدة: كيف تحافظ على سيادتها الأمنية وسط إشراف أمريكي متزايد على قراراتها العملياتية؟

وخلال الزيارة، التقى نتنياهو قائد القيادة المركزية الأمريكية الأدميرال براد كوبر ومدير المركز الفريق باتريك فرانك، وسط أجواء ودية خيمت عليها مخاوف إسرائيلية من حجم الوجود العسكري الأمريكي غير المسبوق داخل إسرائيل، واتساع نطاق تأثيره في القرارات الميدانية الإسرائيلية، بحسب موقع "المونيتور".

ووفق بيان صادر عن القيادة المركزية الأمريكية في 21 أكتوبر، يتمركز نحو 200 جندي أمريكي في هذه المنشأة الواقعة داخل مركز تجاري في المدينة الجنوبية، على بعد نحو 25 كيلومترًا من حدود غزة.

أخبار ذات علاقة

الحياة في قطاع غزة عقب انتهاء الحرب

وسط البحث عن جثث رهائن.. مروحية مسؤول أمريكي تحلّق فوق غزة

ووفقاً لـ المونيتور"، يستخدم المركز طائرات مسيّرة ووسائل استخباراتية أخرى لمتابعة التزام إسرائيل وحماس بوقف إطلاق النار الذي رعته واشنطن، كما يعمل كنقطة لتبادل المعلومات بشأن ردود الفعل الإسرائيلية على انتهاكات الحركة الفلسطينية، بما في ذلك الهجمات الانتقامية الأخيرة التي أدت إلى مقتل نحو مئة فلسطيني، بينهم نساء وأطفال. 

وتشير تقارير إلى أن بعض هذه العمليات تم تنسيقها أو تقييدها بناءً على مشاورات مع الجانب الأمريكي.

نتنياهو بين الشراكة والاستقلال

أثناء زيارته، قال نتنياهو: "أنا سعيد باستضافة أصدقائنا الأمريكيين هنا في كريات جات"، رغم أنه لم يكن المضيف الرسمي للموقع الذي تديره الولايات المتحدة. 

وفي مقابلة لاحقة، نفى نتنياهو أن تكون إسرائيل بحاجة إلى موافقة أمريكية لتنفيذ عمليات عسكرية، مؤكدًا أن بلاده "لا تطلب الإذن، بل تبلغ واشنطن فقط بما تقوم به"، وأضاف: "لسنا تابعين لأحد، نحن شركاء مستقلون".

مع ذلك، يرى مراقبون أن المشهد يعكس تناقضًا متزايدًا في الموقف الإسرائيلي، إذ يجد نتنياهو نفسه في موقف حرج بين السعي لإنهاء حرب غزة المستمرة منذ عامين، وفق خطة أمريكية، والحفاظ على سيادة القرار العسكري الإسرائيلي. 

أخبار ذات علاقة

الشيكل

أزمة سيولة في غزة.. بنوك بلا أموال وسكان يواجهون شبح الاستغلال

كما أثار تعليق ساخر من المتحدث العسكري السابق رونين مانليس على منصة "إكس" جدلاً واسعًا، حين كتب أن "اللغة الرسمية في مديرية عمليات الجيش تحولت من العبرية إلى الإنجليزية" لاستيعاب الضباط الأمريكيين المشاركين في النقاشات العملياتية.

تعاون غير مسبوق وقلق داخلي

يرى البعض أن ما يجري يمثل ذروة التنسيق الأمني بين واشنطن وتل أبيب، بينما يخشى آخرون أن يؤدي ذلك إلى سابقة تُقيد حرية إسرائيل العسكرية. 

ويعبّر مسؤولون سابقون عن قلقهم من أن تمتد موافقة الأمريكيين أو اعتراضهم على ضربات غزة إلى عمليات مكافحة الإرهاب في الضفة الغربية.

تاريخيًا، لطالما أكدت الحكومات الإسرائيلية أن الدفاع عن البلاد يجب أن يبقى بيد الإسرائيليين فقط، باستثناء التعاون في مجالات الدفاع الجوي واعتراض الصواريخ، الذي توسع في السنوات الأخيرة عبر تحالفات إقليمية بقيادة الولايات المتحدة.

وقال مصدر عسكري إسرائيلي سابق لموقع المونيتور: "لم يعد التعاون مقتصرًا على تبادل المعلومات، بل بات يشمل قرارات ميدانية تمس أمن المقاتلين والسكان؛ هذا تطور مقلق". 

وأضاف أن التعاون أصبح أعمق من أي وقت مضى، مع وجود جنرال أمريكي بثلاث نجوم يقيم في كريات جات برفقة مئات من الجنود النظاميين، ما يجعل القرار الإسرائيلي العسكري يخضع عمليًا للتنسيق الدائم مع واشنطن.

أخبار ذات علاقة

تسليم الجثامين

إسرائيل تسلم جثامين 30 فلسطينيًا من قطاع غزة‎

من التعاون الدفاعي إلى الإشراف الميداني

وجود القوات الأمريكية في إسرائيل ليس جديدًا؛ فقد احتفظت واشنطن منذ سنوات بمخازن أسلحة على الأراضي الإسرائيلية، وتجري تدريبات سنوية مشتركة مثل "جونيبر كوبرا" و"جونيبر فالكون".

غير أن الطابع الحالي للتعاون يتجاوز مجرد الدفاع المشترك، إذ يشمل رقابة مباشرة على العمليات الإسرائيلية في "الدائرة الأولى" من الأمن القومي، أي داخل حدود إسرائيل وغزة، وليس فقط تجاه التهديدات البعيدة مثل إيران والعراق.

وأشار أحد القادة العسكريين السابقين إلى أن هذا "انحدار خطر"، موضحًا أن الأمريكيين الذين يشغّلون طائرات مسيّرة في غزة اليوم قد ينتقلون لاحقًا إلى الضفة الغربية، مشيرًا إلى أن واشنطن سبق أن أوقفت طائرات إسرائيلية كانت متجهة لقصف أهداف إيرانية.

ورغم هذه الشكوك، يسود شعور بالتفاؤل الحذر في كريات جات، حيث تُناقش مهام ما بعد الحرب، من نزع سلاح حماس إلى انسحاب الجيش الإسرائيلي وتولي قوات دولية السيطرة الأمنية على غزة.

لكن مسؤولًا أمنيًا إسرائيليًا رفيعًا أقرّ بأن "لا دولة عربية أو إسلامية مستعدة لإرسال جنودها لمواجهة حماس"، مضيفًا: "في النهاية، سيتعين علينا نحن أن نقوم بذلك".

أخبار ذات علاقة

من القصف الإسرائيلي شرق غزة

بعد "مهلة حماس".. إسرائيل تفجّر شرق غزة و"الخط الأصفر" يتحول لجبهة مفتوحة

وفي الأثناء، أصبح المركز الأمريكي الإسرائيلي المشترك وجهة لزوار رفيعي المستوى، بينهم نائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس ووزير الخارجية ماركو روبيو، اللذان حضرا لالتقاط الصور مع الجنود الأمريكيين المنتشرين هناك، في مشهد يلخص عمق التعاون، وعمق الجدل، حول الدور الأمريكي في قلب إسرائيل.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC