يتسع نطاق الصراع في سوريا، وتزداد التحديات أمام الإدارة السورية الجديدة، بدءًا من الشمال الشرقي حيث قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، وصولًا إلى الجنوب الذي تسعى إسرائيل لفرض سيطرتها عليه، وكذلك مناطق الساحل، مستفيدة من التناقضات السياسية والضعف العسكري الذي تعانيه الحكومة السورية.
وفي الشمال الشرقي، تتصاعد الاشتباكات بين "الجيش الوطني" المدعوم من تركيا، وقوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة، على جبهتي سد تشرين وجسر قراقوقاز. وفي الوقت نفسه، تتعثر المفاوضات السلمية وتزداد التدخلات الدولية، ما يزيد تعقيد الوضع في المنطقة.
أما في الجنوب، لا يبدو الوضع أقل تعقيدًا، حيث استغلت إسرائيل الضعف العسكري للإدارة السورية الجديدة، وواصلت توسعها في الأراضي السورية، فقد سيطرت على ما تبقى من جبل الشيخ، وتمددت مئات الكيلومترات باتجاه درعا والقنيطرة، حتى أصبح الفصل بينها وبين دمشق لا يتعدى بضعة كيلومترات.
وتواجه الإدارة السورية الجديدة تحديات كبيرة على جبهتي الشمال والجنوب، إذ أن الإمكانات العسكرية والاقتصادية المحدودة تعيق قدرتها على التعامل مع هذه التطورات، إضافة إلى ذلك، لا تزال هناك اضطرابات في المناطق الوسطى والساحلية، ما يزيد تعقيد الوضع.
ويقول المحلل السياسي مازن بلال، إن التصعيد الحاصل في شمال شرق سوريا وجنوبها يشير إلى أن هناك أطرافًا دولية تحاول ضبط هذه الملفات، وتحافظ على حالة من السيطرة الدائمة على الوضع.
ويضيف بلال في تصريح لـ"إرم نيوز"، أنه "لا يوجد تناقض كبير بين تركيا وإسرائيل قد يؤدي إلى صدام مباشر بينهما، رغم التنافس والسباق بينهما لكسب النفوذ في الشمال والجنوب".
وتظهر التطورات الميدانية على الأرض نوعًا من السباق في فرض السيطرة، بين تركيا التي تسعى إلى دفع الإدارة السورية نحو الحل العسكري للقضاء على قوات "قسد"، وبين الإدارة السورية التي تفضل الحل السلمي والتفاوض لحل هذا الملف.
ويعتبر بلال أن تطورات المنطقة وحل ملف قوات سوريا الديمقراطية مرتبطان بشكل أساسي بالإدارة الأمريكية، التي تملك القدرة على دفع جميع الأطراف نحو تسوية سياسية، سواء في الشمال الشرقي أم في الجنوب.
وأضاف: التوترات الحالية تنبع أساسًا من إسرائيل، التي تسعى للهيمنة على أوراق ضغط إقليمية تعزز قوتها، وسوريا تعد النقطة الأضعف التي يمكن استغلالها لتحقيق ذلك".
كما زادت وتيرة الأحداث مؤخرًا بعد إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن الجنوب السوري منطقة منزوعة السلاح، ما يحظر على قوات الجيش السوري أو أي قوات أخرى دخولها. وقد شنت الطائرات الإسرائيلية عدة غارات على مواقع عسكرية جديدة أنشأها الجيش السوري في جنوب دمشق.
ولا ينفي بلال وجود صراع على الأرض السورية بين تركيا وإسرائيل، لكنه يرى أن المؤشرات المتوفرة تؤكد أن هذا الصراع سيظل تحت السيطرة ولن يؤدي إلى صدام شامل.
من جانبه، يرى المحلل السياسي جعفر خضور أن المكاسب السياسية والعسكرية التي حققتها إسرائيل في الجنوب السوري تفوق بشكل كبير مخاوفها من النفوذ التركي.
وأضاف في تصريح لـ "إرم نيوز": إسرائيل تستغل ملف قوات سوريا الديمقراطية للضغط على تركيا، وتسعى لتفضيل نموذج سوريا الكانتونات على سوريا موحدة، ومن المرجح أن يبقى ملف شمال شرق سوريا معلقًا في المرحلة الحالية.
ويذكر خضور أن إسرائيل تطمح إلى تحقيق "ممر داوود"، الذي يربط الجنوب بالشمال السوري، وهو هدف لن يتحقق إلا في حال بقاء القوات الأمريكية في سوريا، ووجود "قسد" كقوة مسيطرة على المنطقة.
وأكد خضور: "التنافس التركي الإسرائيلي يزداد بشكل ملحوظ على الأرض، خاصة في ظل ضعف الإدارة السورية الجديدة عسكريًا، ما يشكل فرصة لجميع الأطراف لتحقيق مكاسب على الأرض".