رفعت استراتيجية إسرائيل في تحييد "حزب الله" مستوى القلق والارتباك لدى قادة الحرس الثوري، خاصة بعد فشل الميليشيا اللبنانية في ممارسة أي ضغط حقيقي على تل أبيب لصالح طهران.
وأوضح خبراء في الشؤون الإقليمية، أن إيران مرتبكة منذ أكثر من عام مع فقدانها الذراع الذي كان يجعل إسرائيل تدرس جيداً، وتتحسب أية مواجهة معها وهو "حزب الله" الذي كان يتمركز في مواقع إستراتيجية في جنوب لبنان، ويهدد تل أبيب بالصواريخ.
وأكدوا في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن اعتماد إيران على "حزب الله" في المواجهة المرتقبة مع إسرائيل بات خارج حساباتها في ظل ما فقدته الميليشيا اللبنانية من قدراتها على المستوى التسليحي والجانب الميداني من قيادات وعناصر، مع ما حققته الضربات الإسرائيلية الأخيرة على مواقع التنظيم في الجنوب والبقاع مما جاء بـ"بتر" أدواته التسليحية "الصواريخ" التي كان يهدد بها المستعمرات الشمالية الإسرائيلية.
وكان قد دعا الحرس الثوري الإيراني إلى الثأر لاغتيال إسرائيل القائد العسكري في حزب الله هيثم الطبطبائي الذي قُتل بضربة على الضاحية الجنوبية في العاصمة اللبنانية بيروت مؤخراً، وصاحب ذلك خروج عضوُ مجلسِ تشخيصِ مصلحة النظام، محسن رضائي، بدعوة "حزب الله" إلى مراجعة سياسة الصبرِ الإستراتيجي، وهو ما تمت ترجمته بأنه يدعو الميليشيا اللبنانية للانخراطِ في حرب جديدة بوجه إسرائيل.
ويوضح الباحث السياسي اللبناني داني سركيس، أن إيران مرتبكة منذ أكثر من عام مع فقدانها الذراع الذي كان يجعل إسرائيل تدرس جيداً، وتتحسب أية مواجهة مع طهران وهو "حزب الله" الذي كان يتمركز في مواقع إستراتيجية في جنوب لبنان، ويهدد تل أبيب بالصواريخ.
ولكن هذه الوضعية، بحسب سركيس، تغيرت كثيراً، منذ نهاية نوفمبر الماضي، تدريجياً، حيث لم يستطيع التنظيم تدارك الضربات الموجعة وقت الحرب الأخيرة على لبنان، التي استمرت قرابة الشهرين، وانتهت 27 نوفمبر 2024، لتكون الضربات اليومية للمستودعات والمقار العسكرية والدوريات وصولاً إلى القيادات في الجنوب والبقاع، ليصبح "حزب الله" مفرغاً على مستوى القيادات، والسلاح، والعناصر.
وأضاف سركيس في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن طهران حاولت أن تدفع، خلال الـ3 أشهر الأخيرة، إعادة بناء قدرات حزب الله حتى لو بشكل ثانوي ليمثل ذلك مركز ضغط على تل أبيب في حال شن الحرب المتوقعة على إيران، للقضاء على برنامجها النووي، وتفكيك الداخل، ولكن كان الفشل في أن يكون هناك اعتماد على "حزب الله" للقيام بأي دور في حال هجوم إسرائيل على إيران في حرب جديدة متوقعة.
وبين سركيس أن "حزب الله" يمكث في وضعية لم يصل إليها من قبل، ولا يستطيع القيام بأي دور حتى لو كان حمائياً، ومنها تجهيز منصات صواريخ لاعتراض طائرات إسرائيلية تقوم بغارات وتصل إلى الضاحية الجنوبية المقر السياسي الشعبي له في العاصمة بيروت، وهو ما يعكس حجم الأزمة، والضعف الذي بات عليها التنظيم.
وذكر سركيس أن الأمر لا يتعلق أبداً بالتدبير والتجهيز لإعادة بناء القدرات أو ما كان يروج في البيئة الحاضنة بأن الإمكانيات حاضرة، وأن القيادات يعدون "الخدعة" لإسرائيل لتكون الضربة القاصمة، ولكن كافة الحسابات، وما يجري على أرض الواقع يقول إن "حزب الله" لم يعد في الأساس يمتلك قيادات حتى يقوم بهذه "الخدعة" بعد أن "اصطادتهم" إسرائيل من السماء وهي تمتلك "سيرة ذاتية" لمن تقوم باستهدافه بدقة.
وبدوره، يقول الباحث في مركز ستاندرد للدراسات والأبحاث والمختص بالشأن الإيراني، الدكتور فرهاد دزيي، إن بوادر حرب جديدة بين إسرائيل وإيران تلوح في الأفق بقوة، وذلك بعد أن أكدت وكالة الطاقة الدولية أن طهران تقوم بتخصيب اليورانيوم، وتمنع المفتشين من الدخول إلى أماكن حساسة في وقت أكد فيه وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، أن الحرب لم تنتهِ مع المحور الإيراني، وأن تل أبيب ستقوم بخطوة في أي لحظة تريد"، كانت بمثابة رسالة تصعيد واضحة.
وأوضح دزيي في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن داخل النظام الإيراني جناحين، الأول يمثله الإصلاحيون الذين يشيرون إلى أهمية التفاهم والتفاوض والوصول إلى اتفاق مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والولايات المتحدة وأوروبا، أما الثاني فهو الجناح الراديكالي المكوّن من الحرس الثوري والبسيج، وهم قريبون للغاية من مكتب المرشد، ويرون أن أي تنازلات ستكون انتقاصاً من السيادة الإيرانية.
وأشار إلى أنه، في الآونة الأخيرة، بدأت أصوات الراديكاليين والمحافظين في إيران ترتفع بشكل أكبر، خاصة بعد ظهور بوادر نقل العاصمة من طهران إلى جنوب البلاد بسبب ما يقال إنه نقص في المياه، بينما ظهرت تقارير تؤكد أن الأمر ليس مرتبطاً بالمياه، بل بالضربات الإسرائيلية خلال الحرب الـ12 يوماً، والتي أثرت على الأجواء وتسببت، بحسب بعض التقديرات، في تلوث إشعاعي في محيط طهران، إضافة إلى الدمار الكبير الذي لحق بالبنى التحتية الإيرانية.
ويرى دزيي أن لبنان حتى مع استمرار وجود نفوذ "حزب الله" داخله إلا أنه سيكون خارج المحور الإيراني في المواجهة المقبله مع إسرائيل، وستعتمد طهران في الحرب المرتقبة على وكلائها في العراق، في ظل ما فقده "حزب الله" من منظومته على المستوى التسليحي وأيضاً القيادات، وما حققته الضربات الإسرائيلية الأخيرة على مواقع الميليشيا اللبنانية في الجنوب والبقاع مما جاء بـ"بتر" أدواته التسليحية "الصواريخ" التي كان يهدد بها التنظيم المستعمرات الشمالية الإسرائيلية.
واستكمل دزيي أن "حزب الله" لا يستطيع، حالياً، مواجهة إسرائيل في الجنوب اللبناني، خاصة بعد مقتل الهرم القيادي في الفترة الأخيرة ومن بينهم أبو علي الطبطبائي، وهناك حالة من الارتباك لم تعشها الميليشيا اللبنانية من قبل، وبات أقصى أهدافها في الوقت الحالي، إلا تكون "لقمة سائغة" في الداخل.