مسيّرة تستهدف سيارة على طريق بلدة مركبا جنوبي لبنان
في وقت تُركّز فيه الأنظار على حرب أوكرانيا، تكشف صور الأقمار الصناعية عن تحركات روسية لافتة في الشرق الأقصى، حيث رُصد نشاط مكثّف لأسطول الغواصات التابع للبحرية الروسية قرب فلاديفوستوك.
وذكرت صحيفة "نيوزويك" أن هذا الحضور المتجدد يعكس إصرار موسكو على تعزيز وجودها العسكري في منطقة المحيط الهادئ، في مواجهة تنامي النفوذ الأميركي وشركائه في آسيا.
وعلى الرغم من التحديات الميدانية والاقتصادية التي تواجهها روسيا جراء حربها في أوكرانيا، فإنها لا تُخفي نيتها في الحفاظ على حضور قوي في الشرق الأقصى.
وأظهرت صور الأقمار الصناعية التي التقطت في 3 أكتوبر/تشرين الأول 2025، خمس غواصات روسية من أربعة أنواع مختلفة في حوض بناء السفن في بولشوي كامين قرب فلاديفوستوك.
تضم هذه الغواصات وحدات هجومية واستراتيجية من أحدث طرازات البحرية الروسية، من بينها غواصة صواريخ كروز من فئة ياسين-إم، وأخرى باليستية من فئة بوري القادرة على حمل رؤوس نووية، إضافة إلى غواصات من فئتي أوسكار-2، وأكولا.
ويؤكد هذا التنوع في الأنواع أن روسيا تعمل على مزيج متكامل من القدرات النووية والتقليدية، ما يمنحها مرونة عالية في الردع والتأثير البحري عبر المحيط الهادئ.
وكان قد شدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في يوليو/تموز الماضي على أن تطوير الأسطول البحري النووي “أولوية استراتيجية” لضمان أمن روسيا ومصالحها العالمية. وتأتي هذه التحركات تأكيداً عملياً على تلك الرؤية.
ولا يمكن النشاط الروسي فصله عن سباق النفوذ البحري المتصاعد في آسيا والمحيط الهادئ؛ فالولايات المتحدة عززت بدورها انتشار غواصاتها النووية في المحيط، بين شرق آسيا وهاواي، ضمن استراتيجية ردع موجهة ضد روسيا والصين.
ويشير الكتاب الأبيض الياباني للدفاع لعام 2025 إلى أن "الأنشطة العسكرية الروسية في محيط اليابان والمناطق المجاورة تشكل مصدر قلق أمني متزايد"، خصوصاً في ظل الشراكة العسكرية الوثيقة بين موسكو وبكين.
وقد رُصدت بالفعل غواصة روسية من فئة "بوري" في سبتمبر الماضي قرب جزيرة هوكايدو اليابانية، وهو تحرك اعتُبر رسالة ضغط استراتيجية تجاه طوكيو وحلفائها.
كما تتزامن هذه التحركات مع مساعي روسيا لإعادة تأهيل القواعد البحرية المتضررة في الشرق الأقصى، مثل قاعدة "ريباتشي" في شبه جزيرة كامتشاتكا التي تضررت جراء تسونامي في يوليو الماضي، في إشارة إلى نية موسكو الحفاظ على جاهزية عملياتية عالية رغم الكوارث الطبيعية والضغوط الاقتصادية.
يُظهر التوسع الروسي في نشاط الغواصات شرقاً أن الكرملين يسعى إلى تحصين جبهة استراتيجية موازية لأوروبا، وإرسال رسالة مزدوجة إلى خصومه: روسيا قادرة على القتال في أكثر من جبهة، ولا تزال تمتلك قدرات نووية متقدمة قادرة على الوصول إلى أي هدف في المحيط الهادئ.
غير أن هذا التحرك يثير قلق العواصم الآسيوية، التي ترى فيه محاولة روسية لإعادة ترسيم ميزان القوى في المنطقة، خصوصاً مع تنامي التعاون العسكري الروسي–الصيني.
ومن المرجح أن تدفع هذه التطورات الولايات المتحدة وحلفاءها، خصوصاً اليابان وكوريا الجنوبية، إلى تعزيز الانتشار البحري المشترك وزيادة الإنفاق الدفاعي في السنوات المقبلة.
وفي حين لم تُعلن موسكو رسميًا عن نشر غواصات جديدة في أسطول المحيط الهادئ، إلا أن المؤشرات تدل على أن مرحلة جديدة من التنافس البحري العميق قد بدأت بالفعل، في واحدة من أكثر مناطق العالم حساسية وأهمية استراتيجية.
ولم تكن صور الأقمار الصناعية الأخيرة مجرد رصد تقني، بل دليل على عودة سباق التسلح البحري العالمي. فروسيا، رغم انشغالها في أوكرانيا، تُعيد ترتيب أولوياتها العسكرية شرقًا، لتؤكد أن معادلة القوة لم تعد تُحسم على اليابسة فقط، بل تحت أمواج المحيط الهادئ أيضًا.