شهدت القمة الأوروبية في كوبنهاغن نقاشات مكثفة حول مستقبل الأمن في القارة، وسط أجواء يخيّم عليها القلق من استمرار الحرب في أوكرانيا وتصاعد التهديدات الروسية.
واعتبر خبراء دوليون أن تبني نهج التصعيد العسكري لمواجهة التحديات يمثل خيارًا محفوفاً بالمخاطر وذا كلفة باهظة على التكتل الأوروبي، في وقت تتزايد فيه الأصوات المطالبة بالعودة إلى مسارات السلام والتعاون.
وفي حديث، لـ"إرم نيوز"، أكد د. عبد المسيح الشامي، خبير العلاقات الدولية والمختص بالشؤون الأوروبية، أن تبنّي أوروبا في قمة كوبنهاغن لنهج التصعيد العسكري والحروب كوسيلة لحل الأزمات وضمان الأمن يمثل خطأ إستراتيجياً كبيراً.
وقال في تصريحات خاصة لـ"إرم نيوز"، إن التجربة الأوكرانية أثبتت، بما لا يدع مجالاً للشك، أن هذا الطريق ليس هو الصحيح، خاصة في ظل الفجوة الهائلة بين القدرات العسكرية الأوروبية ونظيرتها الروسية.
وأضاف الشامي، أن دروس التاريخ الممتدة عبر مئات السنين تشير بوضوح إلى أن المواجهات العسكرية بين روسيا وأوروبا لم تنتج إلا كوارث وحروباً عالمية حصدت مئات الآلاف وملايين الضحايا، ودمرت دولاً بأكملها دون طائل، قبل أن يعود الطرفان في النهاية إلى طاولة السلام بعد أن يكونا قد دفعا ثمناً باهظاً.
وأشار إلى مفارقة لافتة، تتمثل بأن الدولة التي قادت التصعيد الأوروبي ضد روسيا في السابق، هي ذاتها، اليوم، من تغير توجهها وتقترب من موسكو رافعة شعار السلام والتعايش.
وشدد الخبير في الشؤون الأوروبية على أن المقارنة بين خيار الحرب وخيار السلام تكشف بوضوح فشل الرهان على التصعيد العسكري، مستشهداً بالعلاقات الأوروبية – الروسية خلال 25 عاماً ماضية، والتي مثلت نموذجاً متقدماً للتحالف والشراكة، وأن أوروبا استفادت من روسيا في مجالات الطاقة والمواد الأولية التي دعمت الصناعات الثقيلة والخفيفة والتكنولوجية، قبل أن تفرّط في تلك المكاسب عبر سياسات المواجهة.
وأكد أن التوجه الأوروبي الجديد نحو التصعيد لن يقود إلا إلى مزيد من العزلة، وتراجع النمو الاقتصادي، بل قد يفتح الباب أمام حرب جديدة لا طائل منها، مؤكداً أن خيار التصعيد العسكري يبقى خطأً فادحاً في نهاية المطاف.
من جانبه، اعتبر العميد نضال زهوي، الخبير العسكري، أن قمة كوبنهاغن تعكس تصاعد القناعة الأوروبية بضرورة تعزيز قدراتها الدفاعية الذاتية، بعد أن كشفت الحرب في أوكرانيا هشاشة الاعتماد الكامل على حلف الناتو، وتحديداً على الولايات المتحدة الأمريكية.
وقال زهوي، في حديث لـ"إرم نيوز" إن واشنطن تتعامل مع الحرب في أوكرانيا كأداة تجارية، تسعى من خلالها إلى إطالة أمد النزاع بدلاً من حسمه، بغرض بيع المزيد من الأسلحة للدول الأوروبية تحت شعار دعم كييف، وهو ما يصب في مصالحها الاقتصادية والعسكرية.
وأضاف الخبير في الشؤون العسكرية، أن هذه السياسة الأمريكية أظهرت بما لا يدع مجالاً للشك أن الاعتماد الأوروبي على الناتو يعني استنزافاً حقيقياً للقارة العجوز واقتصاداتها، وهو ما يدفع الأوروبيين إلى التفكير جديًا في إنشاء منظومة دفاعية خاصة بهم.
ولفت الخبير العسكري إلى أن التهديدات المتزايدة من الطائرات المسيرة والصواريخ بعيدة المدى التي تطال العمق الأوروبي، مثلت أحد الدوافع الأساسية وراء طرح فكرة «الجدار الدفاعي»، المشابه للقبة الحديدية الإسرائيلية، والتي أثبتت بعض الفاعلية في اعتراض هذه التهديدات.
وأكد العميد نضال زهوي أن تعزيز القدرات الدفاعية الأوروبية أصبح ضرورة واقعية، لكنه طرح تساؤلاً محورياً حول ما إذا كانت أوروبا قادرة فعلاً على تأسيس قوة دفاع مستقلة عن الناتو والولايات المتحدة.
وأجاب قائلاً: "من الناحية التقنية والبشرية، تمتلك أوروبا الموارد والقدرات، ولدى فرنسا وألمانيا وبريطانيا صناعات عسكرية متقدمة تؤهلها، لكن من الناحية السياسية، هناك انقسامات واضحة داخل الاتحاد الأوروبي، بين دول الغرب والشرق واختلاف في الأولويات، ما يضعف القدرة على اتخاذ قرارات موحدة".
وأشار إلى أن الولايات المتحدة ما زالت قادرة على التأثير وتعطيل أي مسعى أوروبي لا يخدم مصالحها، بحكم نفوذها السياسي والعسكري على معظم الدول الغربية.
أما فيما يتعلق بروسيا، فأوضح أن موسكو قادرة على إرباك أي مشروع دفاعي أوروبي من خلال نشر الصواريخ والمناورات قرب حدود الناتو، لكنه استبعد احتمال اندلاع مواجهة مباشرة في المرحلة الراهنة.