تواصل إدارة الرئيس الأمريكي ترامب الضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتقديم تنازلات للحكومة اللبنانية مقابل جهودها لنزع سلاح حزب الله، في خطوة غير مسبوقة منذ اتفاق وقف إطلاق النار في نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
وللمرة الأولى، أقر نتنياهو بجهود الحكومة اللبنانية في هذا المجال، معربا عن استعداده لمكافأتها، وأشاد بقرار الحكومة اللبنانية في وقت سابق من الشهر الجاري بتعزيز خطة نزع سلاح حزب الله، مشيرًا إلى أن القوات الإسرائيلية قد تبدأ الانسحاب من جنوبي لبنان.
من جانبها، أكدت مصادر إسرائيلية لموقع "المونيتور" أن نتنياهو أبدى قبولا مبدئيا للمقترح الأمريكي المقدم للحكومة اللبنانية، لكنه لم يصدر بعد تعليمات للجيش الإسرائيلي بسحب القوات من المواقع الحدودية أو تقليص الضربات شبه اليومية ضد أهداف الحزب.
يأتي هذا التصريح قبل ثلاثة أيام فقط من تصويت مجلس الأمن على تمديد ولاية قوات اليونيفيل في جنوبي لبنان حتى ديسمبر/كانون الأول 2026، حيث سيبدأ الجنود الـ10 آلاف بمغادرة المنطقة مطلع 2027، منهين بذلك مهمة دامت عقودا.
وأشادت وزارة الخارجية الإسرائيلية بالقرار، مشيرة إلى أن قوة الأمم المتحدة لم تتمكن من الحد من نفوذ حزب الله المتنامي.
بعد 13 شهرا من الصراع، توصلت إسرائيل وحزب الله إلى هدنة في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، تضمنت منع لبنان حزب الله والجماعات المسلحة الأخرى من شن عمليات ضد إسرائيل، مقابل عدم قيام إسرائيل بأي عمليات هجومية على أهداف لبنانية.
كما نص الاتفاق على أن الجيش اللبناني سيكون الجهة المسلحة الوحيدة في منطقة جنوب نهر الليطاني.
ويبدو أن الضغوط الأمريكية بدأت تؤتي ثمارها، حيث جاء تصريح نتنياهو بعد يوم من لقائه المبعوث الأميركي توم باراك في القدس، المسؤول عن نزع سلاح حزب الله وانسحاب القوات الإسرائيلية.
وأكد البيان الإسرائيلي تقدير الحكومة الإسرائيلية للخطوة اللبنانية بقيادة الرئيس جوزيف عون ورئيس الوزراء نواف سلام، مشيرا إلى أن الحكومة اللبنانية قررت العمل على نزع سلاح الحزب بحلول نهاية 2025.
وأضاف البيان: "إذا اتخذت القوات المسلحة اللبنانية الخطوات اللازمة، ستتخذ إسرائيل إجراءات مماثلة، بما في ذلك تقليص تدريجي لقواتها"، دون تحديد موعد انسحاب القوات الإسرائيلية من جنوبي لبنان.
وتحتفظ إسرائيل بخمسة مواقع على طول الحدود اللبنانية، بزعم امتلاكها معلومات استخباراتية تفيد بأن حزب الله لا يزال يمتلك عناصر وأسلحة في جنوبي لبنان، وتطالب الحكومة اللبنانية، بدعم من فرنسا، بالانسحاب الكامل.
يشمل اتفاق وقف إطلاق النار إنشاء آلية دولية لمراقبة الانتهاكات من كلا الجانبين، بمشاركة عسكريين أميركيين وفرنسيين، ويركز هذا الجهاز على جمع المعلومات الاستخباراتية، معظمها من إسرائيل وأقل من القوات اللبنانية واليونيفيل.
في السياق ذاته، أفادت صحيفة "يديعوت أحرونوت" بأن مقاتلي حزب الله لا يزالون متمركزين على جانبي نهر الليطاني، رغم التزام الحكومة اللبنانية بنزع السلاح.
ويعتقد الجيش الإسرائيلي أن الحزب يحاول إعادة بناء قدراته العسكرية بمساندة إيران، التي تسعى لإرسال أموال وتدريب عناصر الحزب في مناطق أبعد عن الحدود، بينما تركز إسرائيل ضرباتها على المنطقة الحدودية.
أكد المبعوث الأمريكي توم باراك، خلال زيارته لإسرائيل، أن الحكومة اللبنانية تتقدم في نزع سلاح حزب الله، ودعا إسرائيل لإظهار بعض المرونة والتفهم؛ وقال: "لا يمكن أن تكون إسرائيل قاسية على الجميع إلى هذا الحد".
ويرى محللون إسرائيليون أن الولايات المتحدة لا تتوقع انسحابا كاملا، بل تسعى لضمان ضبط النفس الإسرائيلي وتقليص التوتر.
ومن المرجح أن توافق إسرائيل على سحب جزئي من المواقع، لكنها لن تسمح بعودة المدنيين الذين فروا من شمال إسرائيل خلال الحرب عام 2023 في أي وقت قريب.
كما أكد مصدر دبلوماسي إسرائيلي أن هدف إسرائيل هو نزع سلاح حزب الله بالكامل وإزالة بنيته التحتية وعناصره من المنطقة الحدودية، بينما ترسيم الحدود البرية مع لبنان ليس أولوية حالية.
وأضاف أن الوضع الفلسطيني وحرب غزة تعيق أي مفاوضات سلام قريبة، رغم أن الولايات المتحدة تقترح على الحكومة اللبنانية دراسة أشياء مثل إلغاء تجريم الاتصال مع الإسرائيليين أو التفاوض على معاهدة عدم اعتداء.
من جانبها، تشير مصادر أمريكية إلى أن ملف لبنان مرتبط ارتباطا وثيقا بالوضع في سوريا؛ إذ تراهن واشنطن على أن الحكومتين الجديدتين في بيروت ودمشق ستسعيان لاستقرار المنطقة، مستفيدتين من وقف الأعمال العدائية مع إسرائيل.
وقال دبلوماسي أمريكي إن توقيع اتفاقية أمنية بين سوريا وإسرائيل قد يدفع الحكومة اللبنانية لقبول اتفاق لاستقرار الحدود اللبنانية السورية.
كما قد يؤدي هذا إلى الاعتراف بالسيادة السورية على مزارع شبعا، التي تحتلها إسرائيل منذ حرب 1967، بينما يطالب بها لبنان.
وتصر إسرائيل على أن الأرض كانت سورية الأصل، وهي جزء من مرتفعات الجولان التي ضمتها عام 1981، ولا ينبغي أن تكون جزءا من أي مفاوضات مستقبلية مع لبنان.