وصفت مصادر دبلوماسية غربية ما بدأت إسرائيل تنفيذه في قطاع غزة من توسيع للسيطرة الجغرافية وإجبار السكان على النزوح نحو جيوب اعتقال محدّدة، بأنه "لعبة ديمغرافية بديلة لحرب تقليدية يعرف الجميع أن لا نهاية منظورة لها".
وقالت المصادر لـ"إرم نيوز" إن ترتيبات "محور موراغ"، جنوب قطاع غزة، تزامنت مع إجراءات ميدانية مكشوفة تُجهّز لتنفيذ عمليات تهجير بالقوة في مختلف أنحاء القطاع.
وأوضحت أن ذلك يتم من خلال مزيج من أوامر الإخلاء والقصف المكثف، وزج الغزيين في منطقة مغلقة وربما مسيجة، مع تشديد السيطرة على تدفق المساعدات الإنسانية إلى القطاع وتعطيل مصادر مياه الشرب وكل ما بقي من أماكن الاستشفاء.
وكانت رئاسة الأركان الإسرائيلية الجديدة بدأت منذ مطالع الشهر الحالي تنفيذ خطوات سريعة ومبرمجة في القطاع، ترافق فيها العسكري مع السياسي، ليتضح أنها ترمي لهدف نهائي هو "إعادة تشكيل الجغرافيا الإنسانية لغزة ".
في مارس / آذار الماضي استأنفت إسرائيل هجومها على القطاع، بعد أن تخلت فعليا عن وقف إطلاق النار الذي كان دخل حيز التنفيذ في يناير / كانون الثاني 2025.
وكان مبرر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن الحملة الجديدة ستستمر حتى يتم إطلاق سراح الرهائن المتبقين، والقضاء على حماس في غزة.
وما حصل على الأرض هو أن وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس أعلن في الثاني عشر من أبريل الحالي أن جيشه أحكم السيطرة على محور موراغ الرئيسي الواقع بين مدينتي رفح وخان يونس على طول الحدود مع مصر، وأنه سيوسع العملية العسكرية "مما يجعل غزة أصغر وأكثر عزلة"، حسب تعبيره.
الباحث السياسي لطفي الزغيّر، يتفق تماما مع القراءة الدبلوماسية التي تصف ما تقترفه إسرائيل في القطاع، عبر جولتها العسكرية الجديدة، بأنه إعادة تشكيل الهوية الديمغرافية بتحويل غزة إلى سجن مفتوح على منفذ وحيد وهو "الهجرة الطوعية".
ويلاحظ الباحث الزغيّر، أن رئاسة الأركان الإسرائيلية الجديدة تنفذ في القطاع مسارين متوازيين، سياسيا وعسكريا، تفرض فيهما واقعا جديدا بالقوة، من خلال حشر السكان الفلسطينيين في مناطق ضيّقة، تمهيداً لترحيلهم بالكامل.
ويستذكر الزغيّر في حديثه مع "إرم نيوز"، أن الإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية متفقتان على تلازم العمل العسكري مع السياسي في ما يجري تنفيذه الآن في غزة.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي قال بعد اجتماعه الأخير مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إن إسرائيل "تمكّن سكان غزة من اتخاذ قرار حر بالذهاب إلى أي مكان يريدونه وإن ترامب طرح رؤية جريئة، ناقشناها أيضًا، بما في ذلك الدول التي قد تكون مستعدة لقبول الفلسطينيين".
خبير القانون الدولي المحامي نورالدين حمودة، عبر عن خشيته من أن تكون الأمور على أرض الواقع في غزة أصعب مما يجري الإعلان عنه من أرقام تخصّ صعوبات الحياة ودفع الناس إلى الهجرة بترتيبات طوعية وقسرية لا يتم الإفصاح عنها.
وأوضح حمودة لـ"إرم نيوز" أن ترامب ونتنياهو متفقان ضمنا على أن الحرب العادية لن تحقق أهدافهما المشتركة في غزة.
ولذلك، بحسب حمودة، ترك ترامب ونتنياهو للأجهزة الاستخبارية في البلدين مهمة تنفيذ "التهجير الطوعي" للغزيين بتوظيف ما يلزم من الإجراءات القسرية أو تسهيلات الخروج غير الموثّق.
وذكر أن هذه ترتيبات لم تعد سريّة ويتواصل بشأنها تسريب المعلومات والأرقام التي يُرجح أنها أقل من الحقيقة منعا لردود فعل مضادة، حسب قوله.
ولفت حمودة إلى أن الجيش الإسرائيلي كان أصدر 20 أمرًا بالإخلاء منذ 18 مارس/ آذار، شملت أجزاءً واسعة من غزة، بما في ذلك كامل مدينة رفح في الجنوب.
وتشير أرقام الأمم المتحدة إلى أنه طُلب من حوالي 400 ألف مواطن غزي المغادرة خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، حيث أصبح جزء كبير من غزة غير صالح للسكن أو محظورًا.
ويوم الجمعة الماضي، أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، أن أكثر من ثلثي غزة أضحى الآن إما تحت أوامر تهجير نشطة أو مُصنّفة كمناطق محظورة.
وخلص الخبير القانوني في قراءته لبرنامج التهجير الطوعي في غزة، إلى القول إن ما يجري في القطاع من تصنيع حياة مستحيلة، هو أمر غير مسبوق في الذاكرة السياسية المعاصرة.
وتوقع لمشروع الهدنة الجديد الذي يجري الحديث عنه الآن بين حماس وإسرائيل، أن يحمل مفاجآت يصعب استباق قراءتها.