يُحيل الجدل وموجات الاعتراض التي أثارتها تصريحات إسرائيلية داعية لضم الضفة الغربية، إلى تجربة مشابهة جرت قبل نحو 44 عاماً، حين أقدمت إسرائيل على "ضم" الجولان السوري، رغم أن المواقف الدولية آنذاك لم تكن في صالح إسرائيل، وقوبل قرارها بمعارضة جميع الدول.
في مثل هذه الأيام من عام 1981 كانت فكرة "ضم" الجولان السوري رسمياً إلى إسرائيل، تثير اعتراضات وتحرّك مظاهرات، قبل أن تتحول الفكرة إلى قرار تبناه "الكنيست" في 14 من ديسمبر ذلك العام، وشرعت إسرائيل بتطبيقه رغم معارضة جميع دول العالم آنذاك، تجلت بقرار أصدره مجلس الأمن الدولي بالإجماع، بعد 3 أيام على تبني قرار الضم أدان فيه القرار الإسرائيلي، ووصفه بأنه "لاغٍ وباطل وليس له أثر قانوني دولي".
بقي العالم كله، حتى اليوم، يتبنى القرار الأممي رقم 497، باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية التي صارت منذ 2019 الدولة الوحيدة التي تؤيد السيادة الإسرائيلية على الجولان.
وبقي الجولان عملياً تحت السيطرة الإسرائيلية، رغم الرفض الدولي والقرار الأممي، وهو ما لا يبدو أنه يتوافر اليوم في الموقف من "ضم الضفة".
حين أعلن وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش "الخطة الإسرائيلية" بشأن الضفة، وصفها بالاسم الحقيقي "خطة ضم" الضفة الغربية، وبوضوح لم تكن عليه إسرائيل عام 1981 حين أقرت ما أسمته "قانون مرتفعات الجولان" الذي لم يتضمن أي كلمة عن الضم، رغم أنه صار يعرف عالمياً باسم "قانون ضم" الجولان.
وبوضوح أكثر، أضاف سموتريتش أن المبدأ الأسمى لفرض السيادة على الضفة هو "أقصى مساحة من الأرض مع أقل عدد من السكان".
بعد تصريحات سموتريتش، وفي حادثة ذات معنى، قامت قوة إسرائيلية باحتجاز محافظ رام الله والبيرة، وكان الوزير الإسرائيلي أشار إلى "ضم" معظم أراضي الضفة الغربية باستثناء مدن فلسطينية كبيرة منها رام الله ونابلس، ما بدا رسالة تشير إلى "طبيعة" السلطة الفلسطينية المستقبلية، وهو ما لم يخفِه الوزير الإسرائيلي، الذي هدد تلك السلطة بـ"الإبادة" إذا "تجرأت على رفع رأسها".
تلك التصريحات قوبلت برفض عربي، إلا أن الموقف الدولي ما زال وكأنه غير معني بتلك الخطة وتداعياتها.
وإن كانت إسرائيل قبل 44 عاماً أعلنت سيادتها على الجولان بعد سيطرة عسكرية عليه، وحربين خاضتهما، احتلت الهضبة في الأولى (عام 1967)، واستعادت سوريا بعضها عام (1973)، فإن "حربها" لضم الضفة مختلف هذه المرة لأنه يأتي في واقع دولي سمح لها بأن:
ـ تحصل على موقف دولي داعم بقوة، منذ "طوفان الأقصى" في أكتوبر عام 2023.
ـ وتلحق خسائر كبيرة بخصومها، سواء في سوريا أو في لبنان، ووصلت ضرباتها حتى إيران، ووسط تأييد كبير من القوى الكبرى، ما جعل طموحاتها تكبر أكثر.
ـ وترتكب في قطاع غزة "جرائم إبادة جماعية"، حسب وصف المحكمة الجنائية الدولية، دون رد فعل دولي مناسب.
ـ وتستعيد السيطرة على ما خسرته في الجولان في "حرب تشرين" وتبدأ بالتوغل داخل الأراضي السورية لتصير على مرمى حجر من العاصمة دمشق.
في هذا الإطار المواتي، شرعت إسرائيل بخلق واقع جديد في الضفة الغربية، يصفه فلسطينيون بأنه "تفتيت" للضفة، وتقسيمها إلى إقطاعات متناحرة.
وكانت وسائل إعلام عبرية أشارت إلى أن مدينة الخليل ستكون النموذج الأول لتنفيذ تلك الخطة، عبر فصل المحافظة عن الضفة وتعيين قيادة جديدة لها من العشائر تحل محل السلطة الفلسطينية، في خطوة أولى نحو تقسيم الضفة إلى 7 إقطاعات تدير كلاً منها عشيرة أو عائلة.