نشرت صحيفة "التايمز" البريطانية تقريراً مطولاً للكاتب مارك أوربان تناول فيه تفاصيل ما وصفه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بـ"الخطة الشاملة لإنهاء الصراع في غزة"، وهي مبادرة تتألف من 20 بنداً تبدأ بوقف إطلاق النار، وانسحاب إسرائيلي جزئي، وتنتهي بآمال أمريكية في تحقيق "سلام دائم" يعيد تشكيل المشهد السياسي في المنطقة.
غير أن الصحيفة أوضحت أن طريق تنفيذ الخطة مليء بالتحديات، وأن التفاؤل الأمريكي لا يخفي الشكوك التي تسود الأوساط الإقليمية.
وتبدأ الخطة بمرحلة أولى تشمل وقفاً شاملاً لإطلاق النار يتلوه انسحاب محدود للقوات الإسرائيلية من بعض المناطق في غزة، وهي خطوة اعتبرتها الصحيفة اختباراً حقيقياً للنيات السياسية. وأشارت التايمز إلى أن إسرائيل وعدداً من الدول العربية وافقوا على المبادرة، لكن الثقة بين الأطراف لا تزال هشة، وأي خرق من أحدها قد ينسف العملية برمتها.
ومن المقرر أن يتم إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين الأحد أو الاثنين، في خطوة تعتبرها الصحيفة لحظة فارقة في الداخل الإسرائيلي، حيث يأمل المسؤولون أن تُجرى العملية بشكل يحفظ ماء الوجه، ويمنع حماس من توظيفها سياسياً.
أما فيما يتعلق بالوضع الميداني، فقد انسحبت القوات الإسرائيلية حتى الآن إلى أول خطوط الانسحاب الثلاثة المنصوص عليها في الخطة، لكنها لا تزال تسيطر فعلياً على أجزاء واسعة من القطاع.
وترى "التايمز" أن هذا الانسحاب الجزئي لا يغيّر من واقع الاحتلال، إذ ما زالت الدبابات متمركزة في محيط خان يونس وعلى مشارف المعابر، وأن الخطة الأمريكية لم تحدد جدولاً زمنياً واضحاً للانسحاب الكامل، بل ربطته بشروط أمنية معقدة قد تطيل أمد الوجود العسكري الإسرائيلي.
وفي جانب المساعدات الإنسانية، نصت الخطة على إدخال نحو 600 شاحنة مساعدات يومياً من مصر بإشراف الأمم المتحدة والهلال الأحمر. وتصف التايمز هذا البند بأنه اعتراف ضمني بفشل إسرائيل في إدارة ملف المساعدات، لكنه يثير، في الوقت ذاته، مخاوف من عودة حماس للتأثير غير المباشر عبر شبكات توزيع الإغاثة.
وأضافت أن عملية الإشراف الدولي على إدخال الوقود ومواد البناء ستواجه تحديات كبيرة بسبب هشاشة الوضع الأمني واستمرار الانقسام الفلسطيني الداخلي، ما يجعل إعادة الإعمار مهمة شديدة التعقيد.
ومن أكثر البنود إثارة للجدل في الخطة الأمريكية ما يتعلق بمستقبل حكم غزة؛ فالبند التاسع يقترح إنشاء "لجنة تكنوقراطية مؤقتة" لإدارة القطاع بدلاً من حكومة حماس، على أن تتألف من شخصيات فلسطينية مستقلة لا تنتمي إلى أي فصيل.
ورأت الصحيفة أن واشنطن تسعى، عبر هذا البند، إلى إبعاد حماس عن الحكم دون الدخول في مواجهة مباشرة معها. غير أن المؤشرات الميدانية لا توحي بانسحاب فعلي للحركة من المشهد، إذ رُصد ظهور مسلحين تابعين لها في بعض المناطق بعد الانسحاب الإسرائيلي، ما يعزز الشكوك حول نيتها التخلي عن السيطرة. وتشير الصحيفة إلى أن التعقيدات الاجتماعية والعائلية في غزة ستجعل تشكيل إدارة مدنية محايدة أمراً بالغ الصعوبة.
وتتضمن الخطة أيضاً صفقة تبادل واسعة تشمل الإفراج عن 250 أسيراً محكوماً بالمؤبد و1700 آخرين من غزة مقابل إطلاق الرهائن الإسرائيليين.
وقالت "التايمز" إن هذه الخطوة قد تمنح حماس فرصة لتقديم نفسها كمنتصرة سياسياً بعد حرب مدمّرة، خاصة إذا شملت الصفقة شخصيات بارزة مثل مروان البرغوثي. لكن الخلافات داخل الحكومة الإسرائيلية حول قائمة الأسماء قد تؤخر الاتفاق أو تعرقل تنفيذه بالكامل.
أما البند الخامس عشر فيتحدث عن تشكيل «قوة استقرار دولية» تشارك فيها قوات عربية وإسلامية إلى جانب شرطة فلسطينية مدرّبة، بهدف حفظ الأمن في غزة بعد الانسحاب.
وأشارت "التايمز" إلى أن ترامب استبعد مشاركة قوات أمريكية، فيما أبدت تركيا استعدادها للمساهمة رغم التوتر القائم مع إسرائيل. أما إندونيسيا فقد عرضت إرسال 20 ألف جندي في خطوة رمزية أكثر منها عملية.
العقبة الأصعب أمام نجاح الخطة
وتوضح الصحيفة أن هذا البند يمثل العقبة الأصعب أمام نجاح الخطة، إذ تخشى الدول العربية أن تجد نفسها في مواجهة مباشرة مع إسرائيل أو حماس، وهو ما قد يخلق توترات إقليمية جديدة.
وبحسب الخطة، لن تضم إسرائيل غزة ولن تعلنها أرضاً محتلة رسمياً، لكنها ستحتفظ بـ"منطقة أمنية" على طول الحدود حتى تتأكد من خلو القطاع من أي تهديد.
ورأت "التايمز" أن هذا الشرط يمنح إسرائيل مبرراً للبقاء العسكري فترة طويلة، خاصة في ظل غياب آلية واضحة لتحديد متى يصبح القطاع آمناً. وتضيف أن نجاح هذه الترتيبات قد يفتح الباب لإحياء فكرة حل الدولتين، لكن نتنياهو يرفض حتى الآن أي حديث عن دولة فلسطينية مستقلة، في ظل معارضة داخلية قوية لهذا الطرح داخل إسرائيل.
ويُعد البند التاسع عشر من الخطة الأكثر تفاؤلاً، إذ يشير إلى "مسار موثوق لتقرير المصير الفلسطيني"، غير أن الصحيفة أكدت أن تحقيق هذا المسار يتطلب إصلاحاً جذرياً في مؤسسات السلطة الفلسطينية وتوحيدها مع إدارة غزة، وهو ما لم يتحقق منذ انقسام العام 2007.
ولفتت التايمز إلى أن مصير الخطة برمتها سيتوقف على قدرة الأطراف على تجاوز الانقسامات الداخلية، مشيرة إلى أن فشلها قد يعيد غزة إلى نقطة الصفر ويؤدي إلى تجدد الصراع المسلح.
وفي ختام تقريرها، تؤكد "التايمز" أن خطة ترامب تمثل محاولة أمريكية طموحة لإعادة تشكيل المشهد الإقليمي، لكنها تصطدم بواقع معقد يتداخل فيه السياسي بالأمني والإنساني. فنجاحها مرهون بالتزام إسرائيل، واستعداد حماس للتنازل، ودعم المجتمع الدولي مالياً وسياسياً.
وحتى يتحقق ذلك، ستبقى غزة معلقة بين خيارين متناقضين: إما نموذج هش لاستقرار تحت الوصاية الدولية، أو ساحة مفتوحة تعود إليها دوامة العنف والدمار.