قالت مصادر أهلية في بلدة دير ماما بريف مصياف التابع لمحافظة حماة وسط سوريا، والتي يسكنها علويون ومسيحيون، إن أهالي البلدة اضطروا لشراء السلاح من الفصائل نفسها التي تطالبهم بتسليم السلاح، من أجل تخليص البلدة من مصير يشبه مصير "جارتها" الرصافة، التي قتل فيها عشرات المدنيين في الشهر الفائت.
يأتي ذلك بعد أن اشترطت عليهم الفصائل المتمركزة في المنطقة تسليم السلاح تحت طائلة اقتحام البلدة، وتنفيذ مقتلة جديدة بحجة وجود فلول للنظام السابق .
ودير ماما هي قرية سورية تتبع مدينة مصياف. ويبلغ عدد سكانها نحو 3 آلاف نسمة، وتُعرف القرية على مستوى سوريا وخارجها بأنها مسقط رأس الشاعر والمفكر السوري ممدوح عدوان، ومصدر أجود أنواع الحرير المصنوع من دودة القز.
تقول المصادر إن كل تأكيدات الأهالي بخلو البلدة من السلاح والفلول، ودعواتهم للأمن العام (بشكل خاص) لتفتيش المنازل، كانت بلا جدوى أمام تهديدات الفصائل التابعة لإدارة العمليات العسكرية، التي لا تلتزم بأي تعليمات أو أوامر، حيث طُلب منهم تسليم أسلحة بقيمة 250 مليون ليرة لـ "الدولة" افتداءً لأنفسهم وعائلاتهم.
ويوضح أحد أبناء البلدة بأن الأهالي استطاعوا في البداية جمع 100 مليون ليرة، ولكن الفصائل أصرت على دفع مبلغ 250 مليون ليرة وهو ما يوازي (25 ألف دولار).
ويقول إن الأهالي رضخوا في النهاية، بعد أن اقتنعوا بأنه لابد من دفع الإتاوة، واضطروا لجمع ما تبقى لديهم من قوت أطفالهم، لتخليص قريتهم من مجزرة محتملة. ومن أجل تأمين كامل المبلغ استعانوا أيضًا بأبنائهم في الخارج لإرسال حوالات مالية، وبمساعدة بعض الميسورين في المنطقة تم الأمر.
وتتعرض دير ماما منذ أسبوع للحصار والتهديد بالاقتحام، بمصير مشابه للعشرات من القرى التي تعرضت لمجازر مروعة في الساحل السوري ومصياف وريف حمص. وقال المصدر في البلدة إن الفصائل أعطتهم مهلة حتى يوم الخميس (أمس)، وإلا سيستبيحونها.
وأكد المصدر أن معظم شباب القرية هربوا إلى الأحراش المحيطة بها، خوفًا من دخول الفصائل التي تصنف الشبان على أنهم "فلول"، فيما بقي كبار السن ووجهاء القرية فقط بانتظار تأمين المبلغ المطلوب.
وكان بعض وجهاء القرية اقترحوا على الناس جمع كل ما يستطيعون من مال، لكي يشتروا السلاح ويسلموه. وقالت مصادر من القرية إن عملية الشراء تمت بالفعل وعن طريق وسطاء من الفصائل نفسها، وهو ما حصل سابقًا في أكثر من قرية وبلدة في الساحل السوري، حيث تكرر نفس الأمر في بلدة الدريكيش بريف طرطوس، عندما طلبت الفصائل التي اقتحمت البلدة قبل أسبوع، مبلغ 25 ألف دولار من الأهالي منعًا لحدوث مقتلة.
كما شهدت بلدة القرداحة (مسقط رأس الرئيس المخلوع) حادثة مشابهة، بعد أن جمع الأهالي مبالغ كبيرة ودفعوها من أجل تجنب الاقتحام، ليُفاجؤوا بوسائل الإعلام تنشر أنباء عن تسلم كميات كبيرة من الأسلحة بما فيها طائرات مسيرة من أهالي البلدة.
وسخر العيد من السوريين من الخبر "المفبرك" حيث اتضح أن مصدر هذه الطائرات كان أوكرانيا، التي سلمتها لهيئة تحرير الشام واستخدمتها الأخيرة في هجومها على مواقع النظام السابق قبيل الدخول إلى دمشق.
ويتكرر نفس السيناريو، بابتزاز الأهالي منذ بدء المجازر في الساحل السوري، حيث قامت فصائل متفلتة تتبع لإدارة العمليات العسكرية ولكنها لا تأتمر بأوامرها، باستباحة أملاك المدنيين في المناطق المستهدفة.
وبعد تراجع عمليات القتل الجماعية على خلفية طائفية، إلا أن الجرائم لم تتوقف بشكل نهائي. حيث وثق المرصد السوري لحقوق الإنسان خلال آخر 24 ساعة، 6 حوادث إعدام ميداني لمواطنين بسبب الطائفة والانتماء السياسي، راح ضحيتها 8 مواطنين.
وقال المرصد إن "الهوية الطائفية تحولت إلى أداة للصراع والتحريض ما يساهم في خلق بيئة خصبة للعداوات المستمرة؛ ما يعرقل جهود بناء سلام مستدام قائم على العدل والمواطنة المتساوية".