أثارت صفقة أسلحة أمريكية محتملة للعراق تساؤلات عن طبيعة العلاقة بين بغداد وواشنطن، رغم الخلافات المتصاعدة حول مستقبل وجود القوات الأجنبية وملف سلاح الميليشيات، ورغم هذا التباعد السياسي، تمضي إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في تعزيز الشراكة الأمنية مع العراق عبر صفقات تسليح وتحديث للقدرات العسكرية.
وفي أحدث هذه الخطوات، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية أن وزارة الخارجية وافقت على بيع منظومة مكررات اتصالات عسكرية متطورة للعراق بقيمة 100 مليون دولار، تشمل تجهيزات قيادة وسيطرة وأنظمة راديوية واسعة المدى، على أن تتولى شركة “إل ثري هاريس” تنفيذ العقد بوصفها المقاول الرئيسي.
وتشير الصفقة إلى استمرار التزام واشنطن بتحديث قدرات الاتصالات العراقية، وهو قطاع حساس لطالما مثَّل هدفًا للولايات المتحدة في برامج التعاون الدفاعي.
وتأتي تلك الصفقة بعد أيام على إجراء الانتخابات النيابية في العراق، وبدء مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة، وهي مرحلة تشهد حساسية سياسية واضحة وتنافسًا بين القوى الفائزة على رسم ملامح المرحلة المقبلة.
وجاءت الموافقة رغم أن العلاقات السياسية بين البلدين شهدت أخيرًا توترًا واضحًا، بعد تصريحات رئيس الوزراء محمد شياع السوداني التي ربط فيها بين نزع سلاح الميليشيات، ومستقبل التحالف الدولي، وهي تصريحات رفضتها الخارجية الأمريكية التي أكدت أن تفكيك الجماعات المسلحة واجب سيادي على بغداد ولا يتصل ببقاء القوات الأمريكية.
كما تتزامن الموافقة الجديدة مع سلسلة صفقات عسكرية سبق لبغداد أن أبرمتها مع واشنطن خلال الأعوام الماضية، شملت طائرات بيل 412 و407 ومنظومات دعم لوجستي وتدريب وصيانة، أسهمت في تمكين القوات الأمنية من مواجهة التحديات بعد هزيمة التنظيم المتشدد.
وفي هذا السياق، يرى الخبير في الشؤون العسكرية اللواء الركن المتقاعد عماد علو، أن "الصفقة جاءت بموافقة وكالة التعاون الأمني الدفاعي في واشنطن ضمن وزارة الحرب الأمريكية، وهي الجهة المسؤولة عن تنظيم توازن الشركاء العسكريين للولايات المتحدة في الشرق الأوسط”، مبيناً أن “هذه الوكالة لا تمنح موافقتها إلا بعد دراسات مشتركة مع وزارات ومؤسسات أمريكية متعددة؛ ما يؤشر على قناعة راسخة داخل الإدارة الأمريكية بأن العراق شريك إستراتيجي ينبغي استمرار دعمه".
وأضاف علو لـ"إرم نيوز" أن “رفع قدرات القيادة والسيطرة للقوات العراقية يعد جزءًا من إستراتيجية أوسع تتبناها الولايات المتحدة منذ 2003 وجرى تعزيزها بعد 2014، بهدف تمكين العراق من تحقيق التوازن العسكري الإقليمي والحد من مخاطر عودة التنظيمات المتطرفة".
وتشير خلفيات التعاون الأمني بين الجانبين إلى أن واشنطن تسعى إلى تحويل وجودها العسكري في العراق نحو صيغة شراكة دفاعية ثنائية مستقرة، وهو ما ظهر بوضوح خلال المشاورات الرفيعة التي أطلقها البلدان الأسبوع الماضي لتعزيز التدريب والمشورة وتطوير جاهزية القوات الأمنية بما فيها قوات البيشمركة.
وفي السياق ذاته، تشير تقارير أمريكية، إلى أن تحديث الاتصالات العسكرية في العراق يمثل شرطًا رئيسًا لتعزيز قدرته على إدارة عملياته داخل الحدود، خاصة في ظل ترتيبات إنهاء مهام التحالف الدولي والتحول إلى تعاون أمني مباشر بين بغداد وواشنطن.
من جهته رأى الباحث في الشأن السياسي العراقي عماد محمد أن “الموافقة الأمريكية على الصفقة تحمل رسائل سياسية لا تقل أهمية عن بعدها العسكري، إذ تعكس رغبة إدارة ترامب في الإبقاء على مستوى ثابت من النفوذ داخل العراق مهما اتسعت مساحة الاختلافات السياسية بين الطرفين".
وأضاف لـ"إرم نيوز" أن “الولايات المتحدة تدرك أن الانكفاء الكامل سيترك فراغًا تستفيد منه قوى إقليمية، لذلك تسعى إلى تثبيت مسار التعاون الدفاعي بوصفه الإطار الأكثر استقرارًا للعلاقة، خاصة أن العراق لا يزال بحاجة إلى الدعم التقني والتدريبي وفق تقديرات المؤسسات العسكرية”.
ويرى مختصون أن واشنطن تعمل على إدارة علاقتها مع بغداد عبر خطين متوازيين: الأول معالجة الخلافات السياسية المتعلقة بالميليشيات والنفوذ الإقليمي، والثاني استمرار التعاون العسكري والتقني الذي تعتبره الولايات المتحدة أساسيًّا لمنع انزلاق الوضع الأمني.
كما أن جدول انسحاب القوات الأمريكية المقرر اكتماله بين 2025 و2026 لا يعني نهاية التعاون الدفاعي، بل انتقاله إلى صيغ جديدة تشمل التدريب والاستخبارات والدعم اللوجستي.
وبينما تبدي أطراف سياسية عراقية قريبة من إيران قلقًا من توسع صفقات التسليح الأمريكية، ترى مؤسسات الأمن في بغداد أن التحديث المطلوب للقدرات العسكرية لا يمكن تحقيقه دون شراكات واسعة، مع الولايات المتحدة، خاصة أن واشنطن هي الأكثر تقدمًا في التدريب والتسليح والتقنيات العسكرية.